IMLebanon

العقدة مسيحية.. ولكن

 

ويقولون: إنّ عقدة التأليف الحكومي هي عقدة مسيحية ، وأقول : هناك عقدة مسيحية- مسيحية حكومية وزارية رئاسية… نعم: إنها عقدة “الأول” بينكم .

 

وإن شئت الخوض في العمق التاريخي أرى: أنها عقدة مسيحية منذ أنْ ألَّف المسيح “حكومته” من إثني عشر تلميذاً، وحين أبصر المسيح أن هناك نزاعاً بين تلاميذه على الأفضلية والمكان الأرفع قال: “إذا أراد واحدٌ منكم أن يكون “أَولاً” فليكن آخر الكل وخادماً للكل (مرقس: 9-25)… وإنْ كنت وأنا السيد قد غسلتُ أرجلكم فليغسل بعضكم أرجل بعض.. يوحنا (13-12-16).

 

ومن أجل إشباع فضول المتسائلين أقول أيضاً: إنّ الثنائيات المسيحية تعقد اليوم حين يرى واحدٌ أن الآخر يشكّل عقبةً في طريق طموحه فيحاول أن يتَّخذه حجراً يقف عليه ليرتفع الى ما هو أعلى .

 

نعم.. هناك عقدة مسيحية رئاسية ولكن… إن البلد كلّه بما فيه ومن فيه أصبح كتلةً من عِقَدٍ معقَّدةٍ ومعقودةٍ على أعناق الناس حتى الإختناق، وبات كل زعيم طائفة ومذهب شبيهاً برئيس المدينة الفاضلة عند الفيلسوف الغزالي الذي يأبى أن يرئسه إنسانٌ آخر، وإلاَّ فماذا عن العقدة السنّية- السنّية، والسنّية- الشيعية، والدرزية – الدرزية، وحدهم الذين لا عقدة عندهم هم العلمانيون، والذين هم بلا دين .

 

ماذا عن عقدة الوزارات الحلوب، الوزارات الوازنة والوزارات السيادية والأساسية والخدماتية، يوزِّعون الوزارات على أحزابهم ومذاهبهم، وكلما حـلَّ حزب في وزارة كتبها على إسمه .

 

وماذا عن الأحجام والمعايير والأكثرية النيابية التي انتخبها الشعب بالصوت التفضيلي المخنوق احتكاراً بالمذهبية والشخصنة، فإذا الأحزاب عندنا مذاهب، والمذاهب عندنا هي الأحزاب .

 

وهـل يحسبون حسابـاً للذين لـم ينتخبوهم من الأكثريـة الصامتة والمقموعة…؟ الذين لم ينتخبوا هم أكثر من الذين انتخبوا، وهم أكثر تفوقاً بالعقل والفكر والمعرفة والنباهة والنزاهة ونظافة الكفّ، هم الأكثرية بعددها والأكثرية بنوعيتها فلا تحجّموها بأحجامكم الوهمية، ولا تعيّروها بمعاييركم المشبوهة، بل هي تواجهكم بقول الشاعر السموأل.

 

تعيُّرنا أنَّـا قليلٌ عديدُنا فقلتُ لها إنّ الكرامَ قليلُ

 

لقد تعبنا من أهل هذه السلطة المستمرة بالتوارث، ولم نعد نعرف معها أين هي التفاهة وأين هي الشعوذة، إنها لا تريد بناء الدولة ولا تريد إسقاطها، فإن قامت الدولة تصبح أقوى منهم، وإن سقطت فقدوا استغلال مواردها.

 

نحن في دولة هذه الأحزاب، نسير في الخط العكسي للمسيرة البشرية، التي انطلقت: من العائلة الى القبيلة الى الدين الى الدولة الى الوطن، والمسيرة البشرية عندنا راحت تتقهقر عكس مسيرة التاريخ، من الوطن الى الدولة الى القبيلة الى الدين .

 

لقد أصبحنا ضحايا سياق تاريخي كبَّلَ العقل والقوانين بسلاسل الإستعباد، وذنْبُنا فيه ما جاء في القرآن الكريم: “ربّنا إنَّـا أطَعْنا سادتَنا وكبراءَنا فأَضلّونا السبيلاَ … (الأحزاب: 67)