Site icon IMLebanon

المصحف والسيف

الجميع يتذكرون احتلال الطلاب الايرانيين السفارة الاميركية في طهران عام 1979. قلة تعرف ان مقر البعثة الديبلوماسية الروسية في العاصمة الايرانية تعرض لاقتحام مماثل عام 1829. قرن كامل من الندية والخصام بين جاري قزوين لم تدمل جروحهما الا بعد نشوب الثورة الاشتراكية في روسيا. لكن الثورة الاسلامية في ايران أعادت التوتر بينهما الى سابق عهده. الامام الخميني سمى واشنطن الشيطان الاكبر ومنح موسكو لقب الشيطان الاصغر بعد اجتياحها أفغانستان وتقديمها الدعم العسكري لصدام في حربه ضد جمهوريته الاسلامية.

بوتين كسر مع المرشد جليد القرنين الماضيين. الصراع الدولي على خريطة الغاز والطاقة قربت المسافات بينهما. المسألة النووية أعادت الحرارة الى العلاقة الثنائية. النيران السورية وطدت التعاون بينهما وجعلتهما شريكين في “حرب مقدسة”. القيصر اليوم للمرة الثانية في ضيافة المرشد حاملاً في يده مصحفاً هدية لحليفه، وفي اليد الأخرى شاهراً سيفاً يلوح به للارهاب الذي أفزع العالم باسم الاسلام.

قبل اجتماع طهران الثاني، راهن كثر في عواصم عدة غربية وأطلسية وخليجية، على ان تعيد العسكرة الروسية في سوريا، علاقة موسكو بطهران الى سابق عهدها في القرنين الماضيين. ثمة من كان يعتقد ان المساكنة بين القيصر والمرشد في الديار الشامية “غير شرعية” ولا يمكنها ان تعيش وتستمر، فالاول يريدها سوريا علمانية موحدة ويفضل النخبة العسكرية بينما الثاني لا يحبذ الخروج عن العباءة الدينية ويفضل الميليشيات المحلية الموالية له عقائدياً أو طائفياً على الجيش القوي التماسك والملتزم لقيادته. كذلك عندما يحضر قيصر روسيا الكبرى الى المسرح تتراجع الى الخلف كراسي ممثلي الدول الوسطى والصغرى، ويصير هو مكلفاً النطق باسم السوريين في الميدان وفي الكواليس السياسية. الأهم هو رهان المشككين على حاجة روسيا الى حل سياسي سريع يضمن نفوذها (ولو كان ذلك على حساب أصدقائها والحلفاء) خوفاً من التورط في مستنقع لا تتمناه، على عكس ايران التي لا تمانع في أزمة طويلة الامد تكرس حلفاءها على الأرض جزءاً راسخاً من التركيبة السورية المستقبلية.

واذا كان من الخطأ التسليم بوحدة الرؤية بين الرجلين، فانه من التسرع الرهان على تباين بينهما. ولعل تكرار الاجتماع في هذه اللحظة الحرجة بالذات يشير الى الحاجة المتبادلة الى ابقاء التوافق بينهما ليس فقط ادراكاً لمقولة أكلت يوم أكل الثور الأبيض، بل لأن لعبة السيف باسم المصحف تعدت كل الحدود وفاضت خارج الساحات المحلية و”تعولمت” وتنوع طابخوها وغاياتهم، ما قد يفرض على بعض اللاعبين نتائج نهائية حتى قبل الشروع في التسويات.