لبنان بمرحلة إنتظار إضافية لتبيان مسار حلّ الأزمة السورية وتداعياتها
غياب الإهتمام الدولي بلبنان يُبقي الملف الرئاسي رهينة المطامع الإيرانية
يتوقع أن يستمر الفراغ في سدة الرئاسة الأولى والإمعان في تعطيل إنتخابات رئاسة الجمهورية إلى وقت إضافي لا يمكن التكهن بمداه
يستبعد سياسي بارز أن تؤثر نتائج وتداعيات الانتخابات البلدية التي جرت في مواعيدها الشهر المنصرم بتحريك ملف الانتخابات الرئاسية المجمّد منذ سنتين، بالرغم من ظهور رغبة شعبية عارمة في مختلف المناطق تطالب بالتغيير وترفض استمرار سياسة الأمر الواقع المفروضة فرضاً بقوة سلاح «حزب الله» وهيمنته على مفاصل وقرارات الدولة بسياسة الترهيب وإمعانه في تعطيل انتخابات رئاسة الجمهورية عمداً وتحت حجج واهية وغير مقنعة إطلاقاً، لأن هذه الانتخابات لم تؤدِ إلى تغيير جذري في موازين القوى السياسية القائمة منذ حوالى العشر سنين ولم تفرز قوى سياسية مؤثرة وفاعلة يمكنها تغيير قواعد اللعبة السياسية وتجاوز القوى التقليدية، ولأن مسألة الانتخابات الرئاسية ومصيرها ما يزال خارج لبنان ومصادراً من النظام الإيراني عبر «حزب الله» كما هو معروف للقاصي والداني ومرتبط إرتباطاً وثيقاً بما يمكن أن تحققه طهران من مكاسب لصالحها في الصراعات والحروب التي تخوضها في العديد من الدول العربية وخصوصاً في سوريا على حساب مصالح اللبنانيين وغيرهم من شعوب هذه الدول.
ويعترف السياسي المذكور بأن ما تخلل الانتخابات البلدية من وقائع وأفرزته من توجهات في شتى المناطق أحدث تباعداً وتفسخاً بين الحلفاء التقليديين في كلا تحالفي 14 آذار والثامن من آذار وتقارب خصوم الأمس مع بعضهم البعض في مناطق محددة، وأظهر محاولاته لبلورة «زعامات» واصطفافات سياسية جديدة، وهو ما يمكن أن يُشكّل مؤشراً سلبياً وغير مريح للقيادات السياسية الحالية ويدق ناقوس الخطر أمامهم للإستحقاق النيابي المرتقب بعد عام تقريباً مع انتهاء ولاية المجلس النيابي الحالي الممددة، إلا انه يلاحظ كذلك أن محاولات استيلاد «الزعامات» المفترضة لم تستطع الخروج من عباءة القيادات التي كانت تظللها بالرغم من الالتفاف الشعبي المحدود من حولها في مناطق محددة، في حين ان توسيع نطاق انتشارها ورقعته الجغرافية يبدو صعباً في المرحلة الحالية، وقد يكون متعذراً في المرحلة المقبلة في ظل تبدّل ظروف ووقائع الاستحقاق النيابي المقبل وإمكانية الاصطدام بالقوى التقليدية التي تتحسب لها وتتأهب لمواجهتها.
ويتوقع السياسي المذكور أن يستمر الفراغ في سدة الرئاسة الأولى والإمعان في تعطيل انتخابات رئاسة الجمهورية إلى وقت إضافي لا يمكن التكهن بمداه في حال الاستمرار بابقاء هذا الملف رهينة بأيدي النظام الإيراني وضمن مصالحه في الصراع الدائر مع العديد من الدول العربية ومع الدول الغربية وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأميركية، لأنه ليس في قدرة أي طرف أو تحالف محلي انتزاع هذا الملف من الهيمنة الايرانية في الوقت الحاضر، ولا توجد أي دولة مؤثرة وخصوصاً الولايات المتحدة الأميركية أو روسيا وغيرها ترغب بجدية في دعم لبنان ومساعدته لإنجاز الاستحقاق الرئاسي بأسرع وقت ممكن، كون كل دولة من هذه الدول لا تبدي اهتماماً ملحوظاً بالوضع اللبناني وتقدم مصالحها الخاصة وتحالفاتها على أي شأن آخر وهذا ينطبق على الوضع اللبناني، في حين يستغل النظام الايراني التباعد القائم بين الأطراف اللبنانيين وطموحات بعض الزعامات في الوصول الى سدة الرئاسة الأولى، ليبقى هذا الملف أسير مصالحه الخاصة.
ويعتبر السياسي البارز ان ما يعتري الوضع الداخلي من تجاذبات وارتدادات على خلفية نتائج الانتخابات البلدية بين مختلف لأطراف وحتى في داخل بعض الأحزاب والتيارات السياسية، إنما هو أمر طبيعي نتيجة الاختلالات والتراجعات التي ظهرت في بعض الأماكن ولتعبئة الوقت الضائع الناتج عن استمرار تعطيل الانتخابات الرئيسية التي قد تستمر لما بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية وتسلم الرئيس الأميركي الجديد لمنصبه وترقب كيفية تعاطيه مع الوضع السائد في المنطقة وخصوصا بالنسبة للحرب الدائرة بسوريا ومدى الجدية في مساعدة لبنان على حل أزمته الرئاسية التي باتت مستعصية حتى الآن، أو لحين معرفة اتجاهات المساعي الإقليمية والدولية لحل الأزمة السورية ومدى تأثيرات الحل المطروح على لبنان مستقبلاً.
وفي كلتا الحالتين، يبدو في نظر السياسي البارز ان الوضع السائد في لبنان حالياً سيبقى في دائرة الانتظار والمراوحة بانتظار التبدلات في الوضع السوري لأنه يتأثر سلباً أو ايجاباً بمسار الأزمة السورية حرباً أو سلماً كما أظهرت وقائع التطورات والسنوات الماضية، ولأنه لا يبدو في الأفق ما يؤشر ان حلول هذه الأزمة باتت قريبة وبالطبع هذا سيؤدي إلى مزيد من الاهتراء في الأداء السلطوي وفي الوضع السياسي الداخلي على حدٍ سواء كما نشهد حالياً.