IMLebanon

لغة الوجدانيات

 

ليس أكثر دلالة على تفاقم الأزمة من لجوء كل من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والرئيس المكلّف سعد الحريري الى لغة الوجدانيات. فعندما يتمثل الرئيس عون بحكاية «أم الصبي» التي أبطالها سليمان الحكيم والأم الحقيقية والأم المزيفة، وعندما يتكلم الرئيس سعد الحريري عن أمنيته في أن يجد حلاً «لمسألة التعطيل» «من بين الغيوم الموجودة فوق لبنان» نجد أنفسنا غارقين في هاوية من الأزمة لا قعر لها.

 

ذلك أن كلتي الصورة المستحضرة من التوراة واللوحة السوريالية التي تستحضر الغيوم التي هي فوق لبنان، تشكلان دليلاً قاطعاً على أن الحلول الواقعية الملموسة لم تعد في المستطاع.

 

فالمعنيون بالأزمة من حارة حريك الى بيت الوسط مروراً بالدور والقصور في معظمها ليسوا معنيين بالحل، كما يبدو للقريب والبعيد.

 

وهذا «الصبي» المنكوب الذي إسمه لبنان يبدو يتيماً لطيماً لا أم له ولا أب، وإذا كان رئيس الجمهورية تساءل أين أم الصبي الحقيقية التي ضحّت بأمومتها من أجل سلامة إبنها، فإنه سيظل يطرح السؤال ولو الى حين وحين من دون أن يجد استجابة، أو من دون أن يهتدي الى تلك الأم. فزمن التضحيات قد ولّى من عصور في لبنان، منذ أن تحوّل الوطن الى مرتع للفساد والفاسدين، ومنذ أن صار التهافت على الجبنة عنواناً عريضاً وهدفاً أول هو محط الأنظار. وأما البحث عن الحل في الفضاء الخارجي بين الغيوم

 

فهو أيضاً بات من الماضي منذ أن أسقطوا كل جميل وأنيس ولطيف ورائد ومتطور في هذا الوطن الصغير المعذّب ليحل محل تلك الجماليات أكوام النفايات وسيلان مياه الصرف الصحي في الشوارع والجادات، وتحويل الأنهار وبالذات البردوني (ملهم الشعراء) والليطاني (مكمن الخيرات) الى مجار للمياه الآسنة ونفايات المعامل القاتلة، وبؤر للمواد المسرطنة.

 

وليأذن لنا فخامته ودولته أن نهمس في أذنيهما لنقول: إنّ لبنان لم يعد يتحمل. وإن الوطن الصغير المعذّب يعاني أهلوه أبشع أنواع المعاناة، وأنّ تشكيل الحكومات لا يتم هكذا. فأنتما في موقعيكما الخطيرين لستما للوقوف على خاطر هذا وإرضاء ذاك و»قطش القرّيعة» أمام ثالث، والسكوت أو غضّ النظر عمّا يسيء الى بعض ما تبقى من قيم ومبادىء وقوانين وأعراف نبيلة وتقاليد سامية في الديموقراطية مفهوماً وممارسة.

 

لذلك لسنا نرى أننا نطلب كثيراً إذا طالبنا فخامة رئيس الجمهورية ودولة الرئيس المكلّف بالإجتماع في قصر بعبدا واستحضار الواقع بدلاً من إستحضار التوراة والغيوم… والواقع الملموس الذي نقترح استدعاءه هو نحو اثني عشر اسماً من الشباب اللبناني اللامع الناجح المتفوق كل في حقله وتشكيل حكومة شباب وتكنوقراط منهم، ودعوة دولة رئيس مجلس النواب ليشهد على الولادة الحكومية.

 

وليقل النواب كلمتهم: ثقة أو حجب الثقة. وتلك تكون بداية عودة الروح الى ممارسة الديموقراطية.