Site icon IMLebanon

الأزمة أكبر من المساعدات العسكرية

الأزمة المتفاقمة مع المملكة العربية السعودية، ليست مشكلة عابرة، وهي أكبر وأهم من مسألة تجميد المساعدات المليارية للجيش اللبناني، وهي أزمة تطال جوهر وأسس العلاقات الأخوية والتاريخية التي تربط البلدين، وتعزز روابط الشعبين الشقيقين.

القضية تتجاوز ظاهرة الفعل وردّة الفعل، إلى التأكيد على جملة من القيم الأخلاقية، وفي مقدمتها الصدق والوفاء، وإلى مجموعة من المبادئ الوطنية، وفي طليعتها الحرص على حماية المصالح الوطنية، ووضع مصلحة الوطن فوق كل الاعتبارات والمنافع الشخصية والحزبية، فضلاً عن الالتزامات العربية القومية، والتي تكرّس هوية لبنان العربية، وانتماءه القومي، والحفاظ على مكانته ودوره في المجموعة العربية، وهو عضو مؤسس لجامعة الدول العربية.

عندما أطلقنا الصرخة: جبران باسيل… ماذا فعلت؟ في افتتاحية نُشرَت قبل شهر بالتمام والكمال، غداة التصويت السيئ في مؤتمر الجامعة العربية، اعتقد البعض أننا نصطاد مواقف وزير الخارجية بشباك محلية بحتة، وفي إطار الحرتقات السياسية المعهودة!

ولكن تدهور العلاقات الأخوية مع المملكة السعودية، خلال الأسابيع القليلة الماضية، كشف فداحة الخطأ الذي ارتكبه باسيل بخروجه عن الإجماع العربي، وعدم التضامن مع الشقيقة الكبرى، والتصويت مع قرار إدانة الاعتداءات الإيرانية على السفارة السعودية في طهران والقنصلية في مشهد.

وبدا واضحاً يومذاك، أن «الصهر المعجزة» التزم بموجبات تحالف تياره مع «حزب الله»، على حساب المصالح الوطنية العليا، معرضاً مصالح أكثر من نصف مليون لبناني عاملين في المملكة ودول الخليج مع عائلاتهم للخطر، من دون أن يرفّ له جفن، رغم إدراكه المسبق، لأهمية العلاقات المميزة التي تربط لبنان بالمملكة، وحجم التحويلات اللبنانية من دول مجلس التعاون، فضلاً عما تشكله الدول الخليجية الشقيقة من أسواق رئيسية لتصريف المنتجات اللبنانية.

* * *

وإذا كان «الوزير الذكي» قد ارتكب خطأ فادحاً بحق المملكة السعودية، فهو لم يتردد بارتكاب خطيئة قاتلة بحق لبنان، ومئات الألوف من اللبنانيين، بتعريض العلاقات اللبنانية – السعودية إلى انتكاسة غير مسبوقة، والمخاطرة بكل المصالح والروابط التي تربط الشعبين الشقيقين.

ولعل ضعف الموقف الحكومي في التصدّي لتداعيات التصويت اللبناني السلبي في الجامعة العربية وفي مؤتمر التضامن الإسلامي، شجّع باسيل وحزب الله وحلفاءهما، على المضي بعيداً في الحملات المتشنجة ضد السعودية، والتي كان آخر حلقاتها الخطاب الأخير لأمين عام حزب الله حسن نصرالله، والذي وصل إلى حد اتهام الدول العربية بالتعاون مع العدو الإسرائيلي - كذا - في الحرب الدائرة في سوريا، متجاهلاً التنسيق الروسي – الإسرائيلي في سوريا على مدار الساعة!

كما أن حالة الإرباك التي تعاني منها حركة 14 آذار، إثر تحالف «القوات» و«التيار العوني» في الانتخابات الرئاسية، أدّت الى ضياع الأصوات الوطنية المعترضة على إخراج لبنان من دائرة الإجماع العربي، ومحاولة إظهاره على الضفة الفارسية للخليج العربي.

غير أن هذا الواقع المرير، لم يشفع للبنان بأي مبرر لدى الرأي العام السعودي، حيث شن كبار الصحافيين والكتّاب السعوديين، حملة شعواء على الموقف اللبناني المتخاذل، وما تضمنه من نكران للجميل، وعدم الوفاء لمواقف المملكة والمبادرات الملكية الداعمة بالوقوف إلى جانب لبنان في الحروب والأزمات والاعتداءات الإسرائيلية، فضلاً عن الدعم والمساعدات السخية لمشاريع إعادة إعمار ما دمرته الحرب الأهلية والاعتداءات الإسرائيلية، والتي كان آخرها حرب تموز 2006، حيث قدّمت السعودية ما يزيد عن الملياري دولار، منها مليار كوديعة في البنك المركزي، والباقي لإعمار القرى والمناطق والمرافق التي طالها العدوان الإسرائيلي.

حتى هذه الحملة الإعلامية والشعبية، والتي حذرنا من مضاعفاتها أكثر من مرّة طوال الشهر الماضي، لم تلق الاهتمام اللازم من الجانب اللبناني الرسمي، الذي لم يُبادر إلى تنظيم زيارات ولقاءات مع صحافيين وكتّاب سعوديين، ولا إلى إرسال وفود رسمية للتواصل مع المنابر الإعلامية وأصحاب الرأي في المملكة، بهدف تطويق الغضب الشعبي، واستيعاب تداعيات النفور السعودي من الموقف اللبناني، فكان أن بقيت الأمور تتفاعل في الأوساط السعودية، إلى أن بدأت تظهر آثارها في إجراءات مؤلمة، مثل وقف الهبَة العسكرية، والتي قد تكون خطوة أولى في سلسلة خطوات أخرى بعد إقفال البنك الأهلي السعودي في بيروت!

غير أن هذا الواقع المأساوي لا يعفينا من التأكيد على الثوابت التالية:

1 – الأكثرية الساحقة من اللبنانيين مع أي قراره تتخذه القيادة السعودية للحفاظ على أمن واستقرار وازدهار المملكة، وفي التصدّي لمخاطر التمدّد الإيراني في المنطقة العربية.

2 – الأكثرية الساحقة من اللبنانيين مع التمسّك بالعلاقات الأخوية والتاريخية مع المملكة العربية السعودية، ومع تعزيز الروابط مع الشعب السعودي الشقيق، والتأكيد على الانتماء العربي للبنان، وعلى الإيمان بالمصير المشترك مع الأشقاء العرب… ولو كره الكارهون.

3 – لبنان، كان وما زال، خط الدفاع الأوّل عن قضايا العرب، رغم كل ما يتعرّض له من تدخلات وضغوط ، ورغم كل هذا الخلل الحاصل في ميزان القوى بين الطرف العروبي ومناصري المحور الإيراني!