سريعا وعابرا أتى لقاء سفراء الدول الخمس الكبرى ومعهم سفراء الاتحاد الاوروبي والمانيا وايطاليا وجامعة الدول العربية مساء الخميس الماضي في بكركي وبرعاية سيدها. فعلى رغم ان هذا اللقاء الموسع نسبيا انعقد تحت عنوان حصري هو التعجيل في ملء الشغور الرئاسي، الشغل الشاغل للبنانيين، الا ان اصداءه ظلت محصورة في اضيق نطاق وكاد ان يمر مرور الكرام.
لم يكن هذا الاستنتاج من باب الاستهانة بنتائج هذا اللقاء الجامع، لكن الذين قدّر لهم الاطلاع على تفاصيل اللقاء والمراحل التي مهدت لانعقاده، والذين هم اصلا على صلة بتطورات الملف الرئاسي خصوصا بعد عاصفتي ترشيح الرئيس سعد الحريري لزعيم “تيار المردة” النائب سليمان فرنجيه لبلوغ سدة الرئاسة الاولى ومبادرة رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع من خارج كل الحسابات الى تزكية زعيم “تكتل التغيير والاصلاح” العماد ميشال عون في هذا السباق، يخرجون باستنتاج جوهره ان لقاء بكركي الاخير يمكن ادراجه في اطار تسجيل الحضور والقول ان الداعين اليه ومنظميه مازال في امكانهم المحاولة والفعل في فضاء يبدو حتى الان ووفق معظم المعطيات موصدا.
اللقاء تم وفق المطلعين على مندرجاته على النحو الآتي:
– دعا البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي سفراء الدول الخمس وسفراء الدول الاوروبية وسفراء آخرين الى لقاء يرعاه في الصرح البطريركي عنوانه الوحيد السعي الى تحريك ملف الاستحقاق الرئاسي بعد التطورات الداخلية الاخيرة المتصلة بهذا الاستحقاق، ووجه الدعوات الى المشاركين فلبوا النداء وانعقد اللقاء الذي غلب عليه الطابع التشاوري وانتهى الى تبنّي المشاركين فيه موقفا يدعو الى التعجيل في ملء الشغور الرئاسي تلافيا لمخاطر يمكن ان تتراكم من جراء بقاء سدة الرئاسة الاولى فارغة منذ اكثر من عشرين شهرا.
– اللقاء الذي عُدّ ضمنا انه تأييد مسبق لأي خطوات قد تقدم عليها بكركي في هذا الموضوع، انتهى ايضا الى تفاهم على معاودة تحريك قنوات التواصل مع كل الافرقاء المعنيين في الملف الرئاسي بغية الحض على طي صفحة الفراغ من جهة واستكشاف افق التعجيل في ذلك، وفي مقدم هؤلاء المعنيين حامل ملف العلاقة مع بكركي في قيادة “حزب الله” السيد ابرهيم امين السيد.
واذا كان البعض يدرج هذا اللقاء شكلا ومضمونا في باب الفعل التحريكي والتذكيري، الا ان ثمة في دوائر القرار في 8 آذار من يجد فيه نوعا من الفعل واجب الوجود للتغطية على مرحلة ولت من الاستحقاق الرئاسي وتمهيدا لاجواء مرحلة في هذا الاستحقاق قد تنفتح ابوابها بين حين وآخر.
في الدوائر عينها كلام استطرادي مفاده انه بعد مبادرة الحريري سارعت باريس ومعها دوائر في الفاتيكان الى ارسال رسائل عاجلة فحواها انها تدعم هذا الخيار انطلاقا من ان لهذا الامر مناخات داعمة داخليا واقليميا، فأتى في هذا السياق الاتصال الهاتفي الذي اجراه الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند بالنائب فرنجيه وهو خطوة راجت لاحقا معلومات في شأنه تشير الى ان هولاند ندم عليها كونها أتت من خارج السياقات البروتوكولية المألوفة للدولة الفرنسية وانه أنّب مستشاريه الذين زينوا له الامر على اساس انه امر محسوم.
وفي الدوائر عينها ان ثمة في الفاتيكان من استعجل ايضا قطف الثمار قبل اوان نضجها فحدد موعدا للنائب فرنجيه في حاضرة الفاتيكان قبل ان يعود ويتراجع عنه تحت عنوان التأجيل.
لم يكن امرا مفاجئا بالنسبة الى هولاند والفاتيكان ان يعملا سريعا للظهور بمظهر المؤثر الاول في حدث بحجم انتخاب رئيس للبنان، لكنهما، وفق المصادر عينها، فوجئا بلقاء معراب وما ترتب عليه من تداعيات ونتائج خصوصا في الرأي العام المسيحي، فالحدث فرض نفسه امرا واقعا مسيحيا لا يمكن تجاهله.
وعليه ادرك كثيرون انهم استعجلوا الرهان وان عليهم فرملة اندفاعتهم والعودة خطوتين الى الوراء.
ولم يكن صدى لقاء معراب على المستوى المسيحي هو وحده ما دفع هاتين الدولتين(فرنسا والفاتيكان) الى التوقف عن استكمال ما بدأتاه من خطوات ورهانات، اذ تبين لهما لاحقا ان مبادرة الحريري لم تستكمل خطوطها اللازمة داخليا ولم تتكامل ابعادها الاقليمية، وتحديدا على المستوى الايراني والسعودي في آن واحد.
وعليه ايقنت هاتان العاصمتان ومعهما بطبيعة الحال شريحة واسعة من الداخل انه مع التطورات الدراماتيكية في المشهدين الميداني والتفاوضي السوري فان الاستحقاق الرئاسي اللبناني بات مجددا امام مرحلة انتظار قد تطول، وهي مرحلة يكتنفها الغموض والضبابية إذ ليس محسوما حتى الان ان يكون العماد عون قد رسخ حضوره في السباق الرئاسي رغم لقاء معراب على نحو بات معه الرقم الاصعب، ولم يلج النائب فرنجيه بعد مرحلة اليأس عقب المواقف الجلية لحليفه الامين العام لـ” حزب الله” السيد حسن نصرالله لجهة ميله الى عون اذ انه (اي فرنجيه) متمسك ببصيص فرصة يدرك تماما انها سانحة وقد لا تتكرر. في حين ان البعض الاخر يعمل على اساس ان مبادرة الحريري الرئاسية وتفاهم معراب قد فتحا الابواب امام خيارات اخرى . وعليه ثمة من يتمعن في نوعية الاستقبال الذي أعده مسؤولون اميركيون لقائد الجيش العماد جان قهوجي في واشنطن والذي يتخطى كونه زيارة تتصل حصرا بتسليح وعتاد.
وفي السياق عينه يندرج لقاء بكركي الذي يبقى لافتا بكل المعايير والمقاييس.