القانون الانتخابي الجديد صار على الباب. هذا ما يقوله الطبّاخون. وهذا يعني أن نلحق بهم إلى يوم الامتحان في جلسة مجلس الوزراء الأربعاء، لنرى إن كان هذا القانون سيُكرَم في الامتحان أم سيُهان؟ التفاؤل هو السائد في أجواء القانون، لكنّ الطريق إليه لم تُفرَش بالزهور بعد، فهناك عقبات ما زالت تهدّد القانون وتتطلّب جهوداً إضافية. ويبقى الرهان على لقاءات الفرصة الأخيرة هذا الأسبوع، ولعلّ أهمّها اجتماع قيل إنه سيُعقد ليل الاثنين.
ضاقَ الوقت ولم يعُد يتّسع المجال لمزيد من اللعب، وصار الطبّاخون أمام لحظة الخيار بين إنجاز القانون أو إعداد العدّة لِما بعد 19 حزيران. والمهم في لقاءات الفرصة الأخيرة أن تعجّل بولادة القانون، وهنا يَكمن امتحان النوايا.
والمهم ألّا يبقى النقاش معلّقاً على حبل سلّة ضوابط وإصلاحات من هنا تستولد سلّة هواجس واعتراضات من هناك، والأهمّ ألّا تستنسخ الفرصة الأخيرة الاجتماع الاخير والعاصف في بيت الوسط فتبقى في مدار الكلام الكبير الذي قيل فيه، وتجاوز القانون وتقسيماته وضوابطه ودخَل في عمق السياسة وأظهر المستور في توصيف الأداء بمصارحة وضَعت كلَّ الأمور على الطاولة واستحضَرت المآخذ كلّها والسلال كلّها والغايات كلّها وكلّ الصيغ التي طرِحت والهدف منها ومحاولات القضمِ للمقاعد من هنا وهناك وهنالك، وبَلغ الامر ايضاً حدّ استحضارِ «التفاهمات» المعقودة ما قبل رئاسة الجمهورية وبعدها والقول بصراحة «إنّ تلك التفاهمات لا تُلزم إلّا أطرافَها والآن انتهى منطق التفاهمات، فأمامنا القانون الانتخابي كما أعدّ عليه التفاهم السياسي، فإمّا أن نصل اليه وإمّا لا نصل، فدعونا لا نضَيّع الوقت».
وقيل أيضاً «اتّفقنا على النسبية وفي 15 دائرة مع انّنا نفضّلها في دوائر موسّعة، ولكن مع ذلك اعتبرنا ما توصّلنا اليه إنجازاً كبيراً، ولكن ها هي بعض الطروحات تحاول ان تصل به الى ما هو أسوأ من الستّين».
في أيّ حال الجلسة التشريعية حدّدت الجمعة ليبصر القانون الجديد النور فيها، إلّا أنّ موعدها ليس ثابتاً حتى الآن، إذ إنّ تثبيتها الجمعة يوجب أوّلاً تجاوُزَ العقبات والمعطلات، وثانياً أن تقرّ الحكومة القانون الاربعاء وتحيله في اليوم نفسه الى مجلس النواب، ولكن إن تأخّرت ستعدّل الموعد من الجمعة الى السبت او ربّما الى الاحد. والرئيس نبيه بري طلب من النواب مسبقاً ان يبقوا على جهوزية والتضحية بعطلة نهاية الاسبوع.
وبري ما زال مصمّماً على إنجاز القانون في الجلسة التشريعية بسرعة قياسية من خلال التصويت عليه بمادة وحيدة، وذلك منعاً لدخول الجلسة في نقاشات لا تنتهي، لكنّ كلّ ذلك يبقى رهن نجاحِ الطباحين في تذليل تلك العقبات.
وأمّا بالنسبة الى العقبات فيقال إنّ نِسبتها قليلة جداً لكنّها صعبة. فقد صرِف النظر نهائيا على محاولة إنشاء مجلس الشيوخ وتثبيت المناصفة في مجلس النواب بالتوازن مع إنشاء مجلس الشيوخ. وانتهى كلّ ما يتعلق بالصوت التفضيلي، والعتبة ، وأمّا طريقة الفرز واحتساب الأصوات فما زالت تحتاج الى حسمٍ نهائي. وكذلك لم تجد الكوتا النسائية مكاناً لها في القانون، والأمر نفسه بالنسبة الى طرح تخفيض عدد النواب من 128 نائباً إلى 108 نوّاب، الذي لم يعد قائماً.
على أنّ أموراً أخرى لم تُحسَم نهائياً بعد، أوّلها موضوع نقلِ المقاعد وإن كان هذا الامر قد شهد تطوّراً لافتاً في الساعات الاخيرة تَمثّلَ في تمكّنِ التيار الوطني من انتزاع المقعد الإنجيلي في بيروت ونقلِه الى الدائرة المسيحية بعد موافقة الرئيس سعد الحريري على هذا الأمر، إلّا أنّ العقدة ما زالت قائمة حول المقعد الماروني في طرابلس، في ظلّ الإصرار على رفض النقل، وهو ما أكّد عليه الثنائي الشيعي، ويَبرز هنا الموقف المتجدّد للرئيس برّي الذي أكّد أنّ هذا الأمر غير وارد. ففي الأساس موقفي الاعتراضي هو على مبدأ النقل.
ولكن بعد موافقة الرئيس الحريري على نقلِ مقعد من دائرته ومن حصّته فهنا لا أستطيع ان اقول له شيئاً لأنه هو قرّر ذلك، ولا أتدخّل في قراره، ولكن لا مجال لنقل مقاعد أخرى من أيّ مكان الى ايّ مكان.
الثاني، موضوع التمديد التقني لمجلس النواب، إذ إنّ مدّته لم تُحسم بعد، مع انّ الاكثر ترجيحاً حتى الآن هو التمديد لتسعة اشهر وصولاً الى سنة. وهذا ما يفترض ان تبتّ فيه الحكومة الاربعاء.
الثالث، موضوع المغتربين، فهناك تبايُن واضح في الموقف. التيار الوطني الحر روَّج في الايام الاخيرة عن قرب تحقيق إنجاز وبُشرى للمغتربين، فيما الاجواء في المقلب الآخر تشي بعكس ذلك تماماً، فالثنائي الشيعي كان قاطعاً في رفضه هذا الامر، ليس من حيث المبدأ، بل لاعتبار اساسيّ يتعلق بحسمِ ستّة نواب (واحد ماروني، واحد روم ارثوذكس، واحد روم كاثوليك، واحد شيعي، واحد سنّي، وواحد درزي) من العدد الإجمالي لمجلس النواب المؤلف من 128 نائباً وتوزيعهم على الاغتراب، نائبٌ في كلّ قارّة.
التيار الوطني الحر يصِرّ على تمثيل المغتربين وحسمِ النواب الستّة من اعضاء مجلس النواب، فيما يقابَل هذا الإصرار من قبَل المعترضين بمجموعة ملاحظات وأسئلة تتطلب أجوبة:
• أولاً، إذا كان لا بدّ من تمثيل غير الممثَّلين في مجلس النواب، فالأولى تمثيل غير الممثَّلين في الداخل اوّلاً. وموارنة بنت جبيل الذين يتجاوز عددهم 16 ألف ناخب ولا نائب يمثّلهم، هم أولى بالتمثيل، مع الإشارة الى انّ مشاركتهم في انتخابات العام 2009 كانت كثيفة، ما يعني انّهم راغبون بالقول والممارسة في المشاركة في اللعبة السياسية، وبالتالي التمثيل.
• ثانياً، إذا كان لا بدّ من تمثيل المغتربين، فينبغي اوّلاً تجنيسُهم. وهل هناك أعداد كبيرة منهم طلبَت أو تطلب الجنسية؟
• ثالثاً، إذا كان لا بدّ من تمثيل المغتربين، فمَن سيختار المرشّح وكيف؟ وقبل ذلك من هو المرشّح؟ ما هي خلفيتُه؟ ما هو ارتباطه؟ وما هي امتداداته؟ هل يستطيع احد ان يحدّد هذا الامر؟ علماً أنّهم في غالبيتهم – إن لم يكونوا كلّهم تقريباً- منغمسون في مجتمعاتهم، إلّا إذا كان هناك طرفٌ داخلي يعتقد انّه سيحصد هذه المقاعد بمرشّحين تابعين له.
• رابعاً، إذا كان لا بدّ من تمثيل المغتربين، فلنَفرض أنّه تمّ الاختيار وانتخِب ستّة نواب في الاغتراب، فهل سيتحوّل هؤلاء الى نواب فخريّين. وكيف سيمارسون مهامَّهم النيابية ، فهل إنّهم مثلاً، مع انعقاد الجلسات التشريعية أو غير التشريعية لمجلس النواب سيسافرون ويَعبرون البحار والقارّات للمشاركة فيها؟
• خامساً، إذا كان لا بدّ من تمثيل المغتربين فأين ستوزَّع المقاعد وكيف؟ أين سيكون المقعد الماروني أو الشيعي أو السنّي أو الأرثوذكسي أو الكاثوليكي أو الدرزي. ولنفرض أن قرَّر «حزب الله» ترشيحَ أحدِهم في أفريقيا مثلاً أو دعمَ أحدِ المرشّحين فمن سيَجرؤ على الترشّح والقول إنّه مدعوم من «حزب الله «، في وقتٍ تضغط اليد الاميركية على رقاب اللبنانيين في الخارج وتسلّط سيف العقوبات عليهم؟
يبقى انّ 19 حزيران على الباب، وهناك من يؤكّد انّ الامور ليست مقفَلة وطريق القانون مفتوح. ولكن هناك من لم يُخرج من حساباته بعد احتمالَ وجود رغبة مخفيّة في بعض الأذهان بهدف دفعِ الامور الى واقع جديد بعد 19 حزيران.
وبالتأكيد لن يطول الوقت لنرى أياً من هذين المنطقين هو الذي سيغلب في النهاية، ما يعني انّ هذا الاسبوع الاخير هو المؤسس لمرحلة الآلام بعد 19 حزيران، أو لمرحلة الهدوء والتفاهم والوئام والشفاء من المرض الذي يضرب البلد في هذه الايام.