IMLebanon

«ربع الساعة» الأخير طويل ودامٍِ!

كان وما زال «ربع الساعة» الأخير، من أي حدث أو نزاع، الأغنى بالتطورات، لأنّ خلاله تُحسم الكثير من المواقف، وتسقط العديد من القوى حتى تفرض التوازنات بصياغة النتائج في حلول واتفاقات، بعد أن يقدّم الجميع وحسب حجم كلّ واحد، التنازلات العادي منها أو المؤلم. هذا القديم – الجديد، هو السائد حالياً على مساحة الشرق الأوسط.

مهما كان عدد الساحات والميادين المشتعلة أو المُتنازَع عليها، فإنّ سوريا تبقى المركز. لذلك أحداثها تصوغ بيد الكبار مسارات التسويات والحلول.

«القيصر» فلاديمير بوتين لاعب الشطرنج البارع، ولاعب الجيدو القوي، يتقن بحكم الخبرة والتجربة كيفية استغلال قوة خصمه لمصلحته في الوقت المناسب. بسرعة التقط مختلف الإشارات السلبية فوضع اقتراح عقد مؤتمر «الشعوب السورية» في «سوتشي» في جيبه، وقام بحركة أخذ في صياغتها حساب الحركة الأخيرة لخصمه وشريكه في الوقت نفسه الرئيس دونالد ترامب.

ما صدر من اتفاق حول سوريا بعد السلام العابر بين بوتين وترامب، يؤكد مباشرة ومن دون لُبس، أنّ أكبر مأساة يعيشها المشرق العربي ومعه منطقة الشرق الأوسط، صغيرة لا يتطلب حسم الكثير من الجدل الناري حولها أكثر من دقائق، وذلك عندما يحين الوقت. لذلك فإن الجدل الدامي ميدانياً، بين كل الأفرقاء حول الحل في سوريا، حُسم بقرار العودة إلى جنيف.

هذه العودة تعني أنّ إعلان الانتصار تمهيداً لفرض الشروط هنا وهناك، سقطت كلها في البيان الصادر

عن وزيري الخارجية الروسي والأميركي المكلّلة بالمصافحة السريعة وعلى الواقف بين الصانعين الحقيقيين للحروب وللحلول. من المضحك – المبكي ما نتج. لا الأسد باقٍ إلى الأبد، ولا المعارضات السورية سقطت من الحسابات، ولا إسرائيل فرضت ما تريده، ولا إيران قادرة على فرض وجودها وكأنّها تحيك «سجادة» المنطقة على قياسها.

انتهت «الحياكة» وتهاوت المسارات، أمام قرار بوتين – ترامب بالعودة إلى جنيف، لتكون التسوية وفقاً للقرار 2254. الرئيس الأسد كان قد التزم به ثم عندما حقق حليفاه الروسي والإيراني بعض الانتصارات «استأسد» وتراجع وصدّقه شركاؤه في حلف الممانعة وأخذوا يتصرفون وكأنّهم «ملوك» الساحات يقرّرون وعلى الآخرين التنفيذ.

للتذكير أن التنفيذ الكامل للقرار 2254 يعني:

«* إجراء إصلاح دستوري (أي صياغة دستور جديد).

* إجراء انتخابات حرة ونزيهة تحت مراقبة الأمم المتحدة مع مراعاة أعلى المقاييس الدولية.

* منح جميع السوريين بمن فيهم من في الشتات الحق بالمشاركة».

هذه العودة إلى جنيف اقتضت تحديداً، إضافة مهمة جداً صدرت في مذكرة الثلاثة وهو حسب مسؤول أميركي: «جلاء جميع القوات الأجنبية من جنوب غربي سوريا بما فيها القوات الإيرانية وكامل الفصائل المسلّحة الموالية لها».

تنفيذ هذا القرار يعني فرض الخسارة الكاملة على الطرف الإيراني الذي وضع كل ثقله المالي والعسكري والسياسي في سوريا، فهل تستسلم إيران – الخامنئي لهذا القرار؟

إيران – الخامنئي لا يمكنها الرضوخ الكامل ولا الرفض الكامل ولا المقاومة المفتوحة. إيران كما اعتادت تفاوض لأخذ ما يمكنها وليس لما تريده بعد كل هذه الاستثمارات الضخمة. تعمل إيران على «قضم» القرار الإسرائيلي بفرض شريط حدودي في الجولان يُنتج منطقة محايدة بعمق 40 كلم. واستناداً إلى الكلام الإسرائيلي فإن الشريط القائم الآن يراوح عمقه بين 5 كلم عند شرقي دمشق – السويدا و20 كلم عند طريق دمشق – درعا وليس 40 كلم كما أشيع. لذلك فإن رئيس الأركان الإسرائيلي الجنرال غادي ايزنكوت زار بلجيكا سراً يرافقه وفد رفيع من الجنرالات حيث التقى قائد القوات الأميركية في أوروبا الجنرال كيرتس سكاباروتي وتباحث معه حول «الشريط الحدودي» الذي يُبعد إيران عن إسرائيل.

إيران تجد نفسها محشورة في نقطتين: جدولة تنفيذ الشريط الحدودي الخالي من وجودها مباشرة أو عبر ميليشياتها، وإمكانية خسارتها لوجودها في سوريا حيث لا نصير لها سوى «النظام الأسدي»، لذلك تثبت وجودها عبر الجيش السوري. فقد كشفت إسرائيل أنّ إيران تبني قاعدة عسكرية دائمة ومهمة داخل منشأة عسكرية سورية في منطقة الكسوة إلى الجنوب من دمشق وعلى بعد 50 كلم من الجولان (تأخذ في حساباتها قيام الشريط الحدودي بعمق 40 كلم)، كما تؤشّر المعلومات غير المنشورة إلى أنه يجري بسرعة بناء شقق من طابقين للإيرانيين في كلّ من: بيت زنتوت شرق القرداحة، والرومية جانب الصلنفه ودير شميل وأن العدد الإجمالي للشقق هذه هو حوالى 60 شقة.

إلى جانب هذا، فإنّ إيران، وكما اعتادت، ستضغط حيث يمكنها في لبنان واليمن والعراق. هذه سياستها: استثمار كل الدوائر في المفاوضات العملية والسرية، وصولاً إلى تحسين موقعها ومكاسبها.

كل هذا يؤكد أن ربع الساعة الأخير طويل ومليء بالمواجهات ودائماً على حساب الشعب السوري.