تمرّ سوريا في «ربع الساعة «الاخير من أزمتها المفتوحة على جهنم. لا يعني ذلك ان النهاية اقتربت، وانه لم يبق الا القليل بعد انتهاء الأطول المليء بالدماء والدموع والخراب. بالعكس قد يكون ما تبقى الاصعب والاقسى والأكثر ألماً، لان سوريا تحولت منذ «عسكرة الثورة» وانخراط مختلف الدول الإقليمية والدولية في «حروبها»، الى ساحة صراع لتصفية الحسابات في ما بينها».
عَلى هذا الأساس فان المرحلة المقبلة التي ستمتد شهوراً وربما اكثر، ستشهد تصعيداً واسعاً ونارياً بين ما تبقّى من النظام الأسدي ومعه القوى التي تدعمه، اي ايران وميليشياتها («حزب الله« ولواء ابو الفضل العباس العراقي وغيره والافغان في فيلق الفاطميين الذين يتزايد عددهم يوما بعد يوم، و»الزينبيون» من الشيعة الباكستانيين) وموسكو، والمعارضات السورية من الجيش الحر وصولا الى «النصرة« و«داعش» في الضفة الاخرى ومعهم بحساب أعضاء التحالف وهم: السعودية وقطر وواشنطن وتركيا وفرنسا، في كل ارجاء سوريا وصولا الى العراق وداخله.
يكفي لتقدير مستقبل المواجهات التي تشتعل وستتصاعد الخسائر فيها اكثر فاكثر، ان معارك السنوات الأربع الاخيرة وان سقط فيها اكثر من مائتي الف قتيل فان معظمهم من المدنيين الذين سقطوا تحت البراميل المتفجرة. اما حاليا فانهيار معركة مشفى الشغور وحدها «سقط في داخله وفي محيطه من البساتين ضابطاً بينهم اللواء منصور قائد القوات الخاصة وعشرة عمداء وأحد عشر عقيداً وأربعة مقدمين وما تبقّى هم من النقباء والملازمين. الجيش السوري كمؤسسة وطنية لم يعد يتجاوز عديده الربع قبل «الحروب» والمطلوب سورياً ودولياً ان يبقى هذا الجزء سالماً حتى يمكن اعادة تشكيل الجيش السوري في المستقبل. من دون ذلك سـ«تتعرقن» سوريا في أحسن الأحوال اما في الاسوأ فإنها سـ«تتصومل».
خلف غبار المعارك في الداخل السوري، ستكون المفاوضات حامية ومتداخلة في مختلف العواصم المعنية. العقدة في هذا المشهد الدراماتيكي الطاحن، ان أيا من الفرقاء لم يقرر حتى الآن ماذا يريد فعلا الحصول عليه وما هو سقف مطالبه والحد المقبول لتنازلاته، اي الخط الأحمر الذي لا يمكن ان يكسره. مثالا على ذلك:
واشنطن تلعب منذ اربع سنوات دور «المقنن للأدوار وتدير الساحة من بعيد دون اي خسائر مادية او بشرية وهي تكاد تحقق صيغة الربح زائد الربح حيث الجميع بمن فيهم موسكو بحاجة إليها». ايران ستوقع الاتفاقية النووية التي قدمت الكثير من التنازلات التي لامست الخطوط الحمر لسيادتها. وموسكو تدرس الوضع لانه لا يمكنها الحصول على أوكرانيا وسوريا في وقت واحد. وهي تلعب لعبة جهنمية مع تنظيم «داعش« حيث لا تعمل على «اصابته الا بحساب». «داعش« ينقذها من المتطرفين الذين يشكلون خطرا داخليا عليها، «داعش« يريد فرض تطرفه وسلفيته داخل «دولته» ولا يفكر بالعمل على اختراق الحدود كما حصل مع «القاعدة». في هذه الحالة لن تحزن كثيرا على الضحايا من السوريين والعراقيين، ومن الشيعة والسنة، المهم بالنسبة للأميركيين ان يبقوا بعيداً عن خط النار.
اللعبة الأوبامية الأكثر خبثا في تاريخ الحروب، ان واشنطن تعلم ان الأسد استخدم السلاح الكيماوي مؤخرا وقد اعترف مسؤول أميركي بذلك في لقاء خاص في باريس بذلك، ولا تعمل شيئا وتتجاهله رسميا، والطائرات الأميركية تحلق ولا تقصف «داعش« الا ما يتناسب مع خططها وقد أكد ذلك المرشح السابق للرئاسة جون ماكين ( كشف ان من حمولة الطائرات تعود الى القواعد) كما ان الفرنسيين يشكون من ان طائراتهم لا تقصف في معظم الأوقات لان الأميركيين لم يعطوهم «بنك الأهداف».
ايران وتركيا، اللاعبان الإقليميان الكبيران، يريدان الكثير لكنهما يعرفان ان «عيونهما بصيرة وأيديهما قصيرة»، بوجود الأميركي وحتى الروسي، لن يأخذ كل واحد منهما الا بحساب، خصوصا ايران بعد ان دخلت في صراع مكشوف مع المكون السني تحت شعار «الهلال الشيعي». يكفي ان تركيا تلعب تحت السقف الأميركي ولا تعمل على اختراقه مهما تذمرت.
الجحيم فاض بالضحايا من السوريين، ولكنه قادر ايضاً على استيعاب الجميع..