كتب القائم بأعمال سفارة الولايات المتحدة في لبنان السفير ريتشارد جونز في عدد يوم أمس الخميس مقالا في “النهار” تحت عنوان “نحن نقف مع لبنان” شرح فيه المجالات التي تدعم بها بلاده لبنان، خصوصا في مجال دعم الجيش اللبناني. وقال: “نحن نقف مع لبنان ولكن على لبنان ان يقف مع نفسه ايضا”. وحض السياسيين على انتخاب رئيس جديد للجمهورية لأن لبنان يحتاج الى استقرار سياسي للاستمرار في تجاوز الأزمات الاقتصادية والأمنية والإنسانية المقاطعة التي تواجهها البلاد”. هذا الموقف الأميركي يضغط ديبلوماسيا لإتمام الاستحقاق ولكي يتحمل السياسيون مسؤولياتهم. فهو يأتي عشية 25 آذار، ذكرى مرور سنتين على بداية المهلة الدستورية لانتخاب رئيس جديد، وغداة جلسة أخيرة فاشلة لانتخاب رئيس جديد حملت الرقم 37، علما أن الجلستين الأخيرتين لا تحتاجان إلا الى القليل لإنجاز انتخاب رئيس، فكانت الجلستان استمرارا للمراوحة نفسها، فيما البلد يدفع تكاليف باهظة على كل المستويات بحيث فقد الكثير من مناعته، وكذلك الحال بالنسبة الى مواطنيه. وقبل جونز، نقل عن مسؤولين أوروبيين كلام أيضا بهذا المعنى قيل للمسؤولين اللبنانيين، مفاده أنه “لا يمكن أن نكون معكم أكثر من أنفسكم”، ما ترجمته أنه إذا أردتم أنتم الانتحار فماذا يمكن أن نفعل لكم؟ ورد الفعل العربي في الآونة الاخيرة يصب في الخانة نفسها بمعنى ما، فيما لا تأبه بعض القوى السياسية لما يجري على أرض الواقع في لبنان، وتمارس سياسة فوقية تروج لمصالحها من دون مصالح البلد او الشعب، فيما يتم الاستمرار في محاولة تجييش هذا الشعب لقضاياهم الخاصة ليس إلا. ورب قائل إن القوى السياسية تنتظر من السفير الاميركي انخراطا أكبر في محاولة إيجاد حل للمأزق اللبناني، لكن كلام جونز كما جواب الاوروبيين من قبل أن ليس هناك الكثير للقيام به إذا لم يساعد اللبنانيون أنفسهم، وان المساعدة التي تقدم، ربما لأهداف معينة، تتصل بالمساعدة على مواجهة الإرهاب أو تمكين لبنان من استمرار قدرته على استقبال اللاجئين السوريين لئلا يثقل هؤلاء على اوروبا التي ستقفل أبوابها أمامهم أكثر من أي وقت مضى. في الوقت الراهن، ثمة تحديات خطيرة جدا يتعامى عنها الأفرقاء السياسيون في ظل شبه قطيعة للبنان مع الدول العربية، من شأنها ان تزيد وطأتها على الوضعين الاقتصادي والمالي وحتى الاجتماعي، فيما التفجيرات الأخيرة التي وقعت في بروكسيل تجعل أوروبا ترسم جدارا عاليا من حتمية الاهتمام بأولويات مختلفة على وقع التطورات الإرهابية التي تواجهها، بعدما دخلت الحرب عقر دارها. وتاليا، لن يكون للبنان أي أهمية على أي جدول خارجي لبعض الوقت، ما لم يأخذ الأمور بيديه ويحسمها بنفسه، ولن تصح مرة أخرى الرهانات على نيسان ولا حتى على حزيران المقبل تحت وطأة تقدم محتمل في الملف السوري، بحيث تفرج ايران عبر “حزب الله” عن ورقة الرئاسة اللبنانية الرهينة. لكن حضّ جونز على ان يقف لبنان مع نفسه، إنما ينطلق من واقع الاعتقاد أن القوى اللبنانية يمكنها ان تقدم على إنجاز استحقاقاتها بمعزل عن رهانات الخارج أو استرهان هذه الاستحقاقات، ولا يزال الاقتناع كبيرا بأن المصالح والحسابات الشخصية تطغى على موضوع الرئاسة الى درجة غير مقنعة كثيرا للخارج، لجهة إبقاء موقع الرئاسة المسيحي شاغرا، فيما يستنزف الحضور المسيحي في المنطقة على وقع الصراع السني – الشيعي العنيف القائم راهنا. وتجربة الجلستين الأخيرتين لمجلس النواب تظهر أن انتخاب رئيس يقف هو على قاب قوسين او ادنى من امكان تحققه، وتتحكم المصالح الشخصية في منعه بما يعزل الى حد كبير العوامل الخارجية المؤثرة. والاقتناع أكبر بأن الصراع المسيحي على موقع الرئاسة استنزف البلد وأنهكه، كما استنزف الكثير من حضور المسيحيين وقدراتهم على مر السنين، ولا يزال، الى درجة أثيرت تساؤلات في بعض مواقع السلطة في أوروبا أخيرا وفي ضوء البحث في أزمة مصير بشار الاسد، اذا لم يكن هناك خطأ ارتكب في تمكين الاقليات، إن في سوريا او في لبنان، والذي بات جزءا من ازمة كبيرة في المنطقة راهنا.
ينقل بعض الديبلوماسيين الأجانب راهنا، قلقا من جانب بعض المسؤولين على الوضع اللبناني على مختلف مستوياته، وقد رأى البعض منهم في انهيار قدرة الصحف على الاستمرار، على رغم ان صحفا عدة كبرى في العالم أوقفت اصداراتها الورقية وتحولت الى النسخة الالكترونية، جانبا كبيرا من الأزمة التي يشهدها لبنان مع انهيار قطاعه الإعلامي أيضا. فالازمة الاعلامية ليست نتاج ازمة اعلامية فحسب، بل هي جزء من ازمة البلد وانهيار قطاعاته الواحد تلو الآخر، في ظل عزلة قسرية قلصت قدرة لبنان على التواصل وعلى أن يكون له العمق العربي والغربي الذي كان له في الماضي. وهذا لم يحصل إبان الحرب الأهلية، في حين انه يعني للكثيرين ان الحرب عادت الى الواقع اللبناني، ولكن من دون متاريس حربية وقصف كما يجري في سوريا مثلا. وهناك احتمال او ربما رهانات على انهيار للبلد ربما يفيد مراهنين في الداخل او الخارج، ولو ان هناك من يسارع الى تأكيد بقاء البلد معلقا على حبل حكومة متعثرة وغير فاعلة.