IMLebanon

«الحكومة اللقيطة»: إنجازات من ورق

 

بعد أقل من ستة أشهر على نهاية دوامة انتخابات 6 أيار، يكون قد مضى عامان على العهد. «الدفعة على الحساب» المفترض، وفق منطق «إنطلاقة» العهود أن تكون «صاروخية» ليست مشجّعة، لا بل مخيّبة للآمال. فشل السلطة الحاكمة ليس بحاجة لكثير جهد لفضحه. يكفي أنّ «العهد القوي» لم يُدخل، بعد عام ونصف، سارقاً واحداً للمال العام الى السجن…

يطبش ميزان السلبيات على الايجابيات حين يحضر الحديث عن أداء السلطة. الأنكى أنّ الصراع الهستيري على المقاعد، في معرض تكوين كتلة العهد و«سيفه»، كشفَ المستور.

فمَن يُحارب الفساد صار حليفاً للفاسدين، ومَن نادى بالتغيير والمدنية أعاد اللبنانيين الى «بوسطة» الطائفية وخطاب «إنتو ونحنا»، وحَشَرهم داخلها. ومن سعى لانتظام المالية العامة تفاخر بموازنات بلا قطع حساب وتسويات ضريبية فاضحة يستفيد منها حيتان المال، ومَن بشّر بالكهرباء «القوية» غرق في قعر الإلتباسات في شأن البواخر العائمة بمئات الملايين من الدولارات، ومن وعد برفع الظلم عن الطبقات الفقيرة وسّع بممارساته دائرة العوز والحرمان واللاعدالة الإجتماعية، ومن تجنّد في مشروع تخفيف الدين العام أغرق الداخل بمزيد من ديون صارت «تاريخية»، بملامستها عتبة الـ120 مليار دولار، بعدما لجأ بحماسة الى مؤتمرات الاستدانة القاصمة للظهر… أما بالنسبة الى النازحين السوريين فـ«الشحادة» مستمرة «على ظهورهم»!.

باكراً جداً تنكّر ميشال عون لحكومته الأولى منتظراً ولادة حكومة العهد الأولى بعد إقفال صناديق الاقتراع في السادس من أيار، مع ذلك تبنّى إنجازاتها. ما اعتبره، في قاموسه، إنجازات.

عملياً، ما عدا الأمن الممسوك، والليرة «الآمنة» مبدئياً، وتحرّر الداخل اللبناني من هاجس الارهاب على الحدود وبنسبة كبيرة بين أحيائه في بيروت والمناطق، يصبح الحديث عن الانجازات مجرّد وجهة نظر. فالسلطة الحاكمة لم تقدّم حتى الآن نموذجاً مغايراً عن «السائد» في ممارسات الحقبات الماضية. أوّل مَن شكا من أداء العهد هم حلفاؤه أنفسهم. لن يكون مجرد تفصيل أنّ «النق» المسيحي والشكوى من «بلطجة» غازي كنعان ورستم غزالة تُسمع تعابيرها ومفرداتها اليوم من غالبية القوى الحزبية والشخصيات المسيحية، لكن هذه المرة الشكوى من «بطش»… جبران باسيل!

وفي زمن الانتخابات يصبح السؤال مشروعاً. هل يمكن أن تتحوّل هيئة الاشراف على الانتخابات «هيئة فدائيين» توثّق ثم تدين ممارسات وزراء في الحكومة الحالية، من رئيس الحكومة ونزولاً، في استغلال ما تَيسّر لهم من نفوذ في الدولة وأجهزتها الإدارية العسكرية والأمنية والمالية في خدمة لوائحهم، أو في معرض إقصاء لوائح الخصوم؟ الفارق فقط بين الامس واليوم أنّ هناك من يدّعي أن لا عودة الى الوراء. الكارثة أنّ بعض الممارسات الانتخابية في أول استحقاق نيابي من عمر العهد بَدت أسوأ بكثير من حقبة الوصاية وما بعدها.

من خارج دوامة الانتخابات التي تكفّلت، بتحالفاتها، بهزّ عرش قوة مسيحية، هو «التيار الوطني الحر»، أتت على السلطة لمحاربة رموز الفساد والإستئثار والإحتكار المالي فإذ بها تحتضنها في «رحلة» تشكيل «جيش العهد»، وتدافع حتّى عن ماضيها، فإنّ السلطة القائمة أبدعت في جعل اللبنانيين يشعرون فعلاً أن لا شيء تغيّر عليهم. مراسيم نفط وبلوكات تنتظر بدء الشركات الكبرى بالحفر، لكن لا كهرباء «شرعية» حتى الآن تُنهي احتكار إمبراطوريات المولدات الكهربائية. قانون انتخاب نسبي لكنّ المحادل لا تزال «أكثرية» حاكمة والرشاوى فالتة وعين الدولة «ترعاها».

إقتراع للمغتربين في الخارج فيما فئات كبيرة من اللبنانيين لازمت منازلها لعدم قدرتها على ممارسة هذا الحق. موازنتان بلا قطع حساب ووعود إنتخابية أنّ «الحساب» آت، مع انّ «الابراء المستحيل» تحوّل «صفقة عهد» بين الرئيس سعد الحريري وجبران باسيل…

قد يبدو الأمر طبيعياً بما أنّ الغالبية الساحقة من الجالسين على طاولة السلطة التنفيذية همّ من رموز الحقبات السابقة، لكن يصبح الأمر نافراً حين يصبح شريكهم «الإصلاحي» «منهم وفيهم»!

لو قدّر لسمير جعجع أن يضيف الى اللافتات الانتخابية «القواتية» المرفوعة في المناطق عبارة «صار بَدّا نِقبَع جبران» لَما قَصّر. ساكن معراب، حليف العهد الأول قبل الحريري، لا يتوانى عن وصف باسيل بـ«غازي كنعان الصغير».

عملياً، ذاقت «القوات»، كما غيرها من القوى المسيحية، الأمرّين من احتكار «التيار» للحصص المسيحية في الادارات والمؤسسات العامة وتحجيم كل من هو خارج عباءة «التنظيم البرتقالي»، مع العلم أنّ بعض التعيينات والتوظيفات أرضَت حلفاء لـ«التيار» من ضمن التنفيعة الانتخابية.

جاء لزعماء الشيعة والسنة والدروز شريك مسيحي «قوي» فصار واحدٌ منهم يتقمّص ذهنيتهم في تقاسم الحصص، بعدما تمّت الإطاحة بعدد من معايير الشفافية في انتقاء الأفضل للوظيفة العامة، خصوصاً مع تجاوز رأي مجلس الخدمة المدنية، وتعيين رئيس مجلس إدارة لـ«تلفزيون لبنان» العالق منذ سنة نموذجاً. إستعادة حقوق المسيحيين تمرّ من تحت إبط باسيل حصراً.

لن يختلف الأمر في ما يتعلق بالسياسات المالية والاقتصادية، والتي توّجت بمزيد من الاستدانة من الدول المانحة لتمويل إستثمارات في البنية التحتية، ما بَعّد «حلم» خفض عجز المالية العامة أكثر فأكثر، في وقت زاد فيه منسوب تشكيك مؤسسات مالية دولية بقدرة لبنان على تنفيذ الاصلاحات التي أعلن التزامه بها في مؤتمر «باريس 4». وصل الأمر الى حدّ اعتبار مؤسسة «ميريل لينش» في تقرير لها أنّ «المؤتمر إنطوى على دعم دولي كبير لرئيس الحكومة سعد الحريري في الانتخابات النيابية المقبلة في أيار»، مع التأكيد انّ «الحكومة لم تقدّم برنامجاً إصلاحياً ملموساً وجدّياً في الوقت الراهن».

مصير الموازنة الثانية في عمر العهد كان دراماتيكياً. مع جملة المخالفات التي تضمّنتها، والتي أشار الطعن المقدّم الى المجلس الدستوري الى بعض منها (قطع الحساب)، تمّ تعليق العمل بالمادة 49 فقط. الأمر كاف لخلق تساؤلات كبيرة حول الذهنية التي تتحكّم بفهوم حماية الأمن القومي والاجتماعي للبنانيين ومفهوم انتظام المالية العامة، ومنع السطو المنظّم على المال العام، حتى أنّ خبراء اقتصاديين أشاروا صراحة الى رائحة تنفيعات وفساد في بعض موادها، خصوصاً تلك المتعلقة بالتسويات الضريبية!

وبعد أكثر من عام على حرب «داحس والغبراء» في شأن مناقصة استقدام بواخر الكهرباء، جرى خلالها تضييع سنة كاملة من مشروع بناء معامل على البر بكلفة أقل، قرّر مجلس الوزراء في جلسة 27 نيسان الماضي وضعها على الرف بلا تقديم أي توضيحات حول «سرّ» الإصرار على فرضها على اللبنانيين على يد قوى معروفة في الحكومة، على رغم من إشكالية محاولات إمرارها عبر إدارة المناقصات، ثم سحبها من التداول على أبواب الانتخابات النيابية.

لن يعلق في ذهن الرأي العام، على الأرجح، سوى أنّ قوى «التغيير» داخل السلطة روّجت لمناقصة حصرت المنافسة بعارض وحيد خلافاً لكل معايير الشفافية في استدراج العروض والمناقصات العامة. البديل الأسرع إستجرار الطاقة من سوريا! إنفصام سلطوي واضح.

عدم الممانعة المبدئية في استجرار مزيد من الميغاواط من سوريا والتمنّع في المقابل عن فتح قنوات تواصل مع دمشق لحلّ أزمة النازحين السوريين، إحدى أكبر الأزمات السياسية والاجتماعية التي واجهها لبنان في تاريخه المعاصر والتي باتت تهدّد اللبنانيين في أمنهم الاجتماعي والقومي، فيما تكتفي السلطة الحاكمة بالنق واللطم و»الشحادة» والاستغلال السياسي على المنابر الدولية عوض اللجوء الى إجراءات ترتقي الى إعلان حالة طوارئ أممية!