رغم محاولة رئيس مجلس النواب نبيه برّي تقصير مدّة جلسة إقرار قانون الانتخابات قدر الإمكان، أصرّ عدد من النواب المعترضين على مناقشته. فاستمرت الجلسة ثلاث ساعات، أظهرت حجم الاعتراضات على القانون برمّته أو بعض البنود فيه. رغم ذلك، كانت جلسة رتيبة لم يكسرها سوى سجال بين النائب سامي الجميل والرئيس سعد الحريري، انسحب على أثره الأخير من القاعة ثم عاد إليها
كأي شيء في لبنان، مرّ قانون الانتخابات الجديد على النحو الذي شعر معه الجميع بأنه «هُرّب هريبة». وهو نفسه الانطباع الذي خرج به الصحافيون والنواب أمس من البرلمان. هي المرّة الأولى التي يتساوى فيها أهل السلطة والصحافة.
أقل من 48 ساعة لدراسة قانون هو من الأهم في تاريخ الجمهورية؟ ليس على «المُضطر» حرج، ما دام الوقت سيفاً مصلتاً فوق رؤوس الجميع. أما النتيجة؟ فإقرار بالإجماع. لكن «لا اعتراض» على قانون «التسوية»، اللهم إلا من قلّة قليلة من الذين وجدوا أنفسهم خارج «الصفقة»، وهو مسار طبيعي في لبنان. أما أن يخرج أعضاء من لجنة صياغة القانون لمناقشة بنوده، ونواب آخرون «للتنقير» على قانون تدّعي كتلهم بأنها عرّابته، فهو أمر يدعو إلى الاستخفاف بكل ما جرى في القاعة العامة أمس! رئيس حزب «الكتائب» النائب سامي الجميل كان الأعلى صوتاً. اعترض على قانون النسبية الذي وافق عليه في بكركي قبل 4 سنوات، وأعلن قبل أشهر تأييده له، وسبق أن اعتبره «مبدأً مقبولاً»، قبل أن يتم استبعاده عن النقاش بشأنه ويبدي اعتراضه على تفاصيله. لكن اعتراض الجميل هذه المرّة، واتهامه الحكومة بدفع رشى للمواطنين، اعتبره رئيس الحكومة سعد الحريري تطاولاً شخصياً عليه، ما دفعه الى الانسحاب من الجلسة ريثما أنهى الجميل خطابه. وبعد عودته، بدت تعابير الغضب والسخط واضحة على وجه الحريري.
غصّت قاعة الهيئة العامة أمس بنوابها. كانت شبيهة بيوم انتخاب الرئيس ميشال عون. المتغيبون بعذر ثلاثة (غازي زعيتر، نواف الموسوي وأسعد حردان). ومتغيّب واحد عمداً، انسحب في ما بعد مُعترضاً على عدم مناقشة قانون «النسبية في لبنان دائرة واحدة خارج القيد الطائفي» الذي تقدّم به قبل سنوات، هو النائب عاصم قانصوه الذي لم تقنعه جحّة رئيس المجلس نبيه بري بأن «هذا القانون توافقي». مع افتتاح الجلسة بتلاوة مرسوم دورة العقد الاستثنائي، همّ بعض النواب لتفريغ ما في جعبتهم من اعتراضات. الجميع أتى مُسلّماً بأن «الواقعة وقعت»، وأن القانون بات نافذاً حتى قبل تصديق مجلس النواب عليه. فهو سلّة المساومات التي جمع فيها اللاعبون الرئيسيون حصيلة مشاوراتهم طيلة سنوات. مع ذلك، استمر «الأخذ والردّ» ثلاث ساعات قبل «رفع الأيدي» والتصديق على القانون والتمديد إتماماً للصفقة.
نائب «الجماعة» طالب بتعديل دستوري لخفض سن الاقتراع
نائب البترون بطرس حرب كان أول من افتتح باب المناقشة، معترضاً على إقرار القانون بمادة وحيدة، ومطالباً بمناقشة القانون «مادة مادة لإبداء الملاحظات». المطلب ذاته رفعه الجميل، داعياً إلى النقاش «فنحن لم نحظ بفرصة مناقشته لا في اللجان ولا في المجلس». كيف يُمكن إقرار قانون بـ 48 ساعة من دون أن يُسمح للمعارضة بإبداء ملاحظاتها عليه؟ لمس الرئيس برّي أن الجلسة ستطول، فاستعان بالمادة 107 من النظام الداخلي للردّ على الجميل «عند طرح المشروع المعجل المكرّر يحق لرئيس المجلس (عفواً) أو بناءً على طلب نائب أو أكثر أن يستشير المجلس النيابي لدراسة المشروع من دون نقاش». لكن ذلك لم يغلق باب النقاش، الذي كان لافتاً فيه الصراع القواتي ــ القواتي. ففيما هلّلت معراب لما سمته قانون عدوان، وقف النائب القواتي أنطوان زهرا مفنداً أكثر من بند ومطالباً بأكثر من تعديل وخطأ، كورود البطاقة الممغنطة في مادة، وورود استخدام بطاقة الهوية أو جواز السفر في مواد أخرى. ودعا زهرا إلى توحيد هذه البنود، فتدخل بري قائلاً: «هذه للتحسب لحصول أي طارئ، أو في حال عدم حصول مواطن على البطاقة الممغنطة لتسهيل عملية الانتخاب».
نائب الجماعة الإسلامية عماد الحوت طالب بتعديل دستوري لتخفيض سن الاقتراع، وتبسيط آلية الانتخاب، كما طالب بالصوت التفضيلي على أساس الدائرة لا القضاء، مبدياً تحفظه على تقسيم الدوائر. وكانت للنائب أحمد فتفت ملاحظات تقنية كثيرة طالت عدداً من البنود، علماً بأنه كان أحد أعضاء لجنة الصياغة، بعدما ظهر خلال المناقشات كم كبير من الأخطاء.
وقد أخذت المقاعد الستة الخاصة بالمغتربين والكوتا النسائية مساحة كبيرة من النقاش، حيث تم اقتراح أن يتم ذلك بمرسوم صادر عن مجلس الوزراء بالثلثين، بعدما اعترض البعض وطالب بأن يدخل ذلك ضمن مهمّة الهيئة العامة. وكأن أول المعترضين النائب وائل أبو فاعور الذي أشار إلى أن «الكتل النيابية لم تتبنَّ مسألة تخصيص مقاعد للمغتربين وإضافتها إلى العدد الإجمالي لأعضاء المجلس، أي رفعهم من 128 إلى 134 في الدورة التي تلي الانتخابات المقبلة، وفي الدورة التي تليها يتم تثبيت نواب المغتربين، مقابل تخفيض ستة مقاعد من الكتل النيابية في الداخل». واعتبر أبو فاعور أنه «يجب أن تحتفظ الكتلة بحقها برفض تخفيض أي مقعد منها»، ليتدخل الوزير جبران باسيل ويعتبر أن «الجميع وافق على هذه الصيغة، وهي جزء من تسوية سياسية كبرى». غير أن الرئيس برّي أكد أن إبقاء هذا الأمر ضمن مهمات الحكومة سيكون أضمن لأن مثل هذا الأمر لن يمر في حال اعتراض أحد المكونات الحكومية عليها. أما الكوتا النسائية، فاستغرب عدد من النواب عدم إقرارها، وفي مقدمهم وزير شؤون المرأة جان أوغاسبيان الذي اعتبر أن عدم إقرارها «ليس رسالة سلبية فقط للمجتمع الدولي وإنما للمرأة اللبنانية».
ختام الجلسة لم يكن مسكاً. بعدما قدم الجميل مطالعة اعترض فيها على القانون من أساسه، مطالباً بالتصويت على النقاط التي يتحفظ عليها، سأل عن الأسباب الموجبة التي أفضت إلى اعتماد الصوت التفضيلي في القضاء في بعض الأماكن، والدائرة في أماكن أخرى. وبصراحة قال إن هذا القانون هو «قانون البترون لمصلحة جبران باسيل». وأشار إلى أنه «في الوقت الذي يدعي فيه البعض الحفاظ على التمثيل المسيحي، تمّ شطب 60 ألف صوت مسيحي في عدد من المناطق». واستغرب التخلي عن البطاقات (الهوية وإخراج القيد) وحصر التصويت بالبطاقة الممغنطة.
وحين وصل إلى مادة التمديد، رفع الجميل سقفه معتبراً أن «هدف البعض من التمديد كل هذه المدة هو إعطاء الحكومة الوقت لتقديم رشى انتخابية». وفيما أدار باسيل ظهره غير مكترث بما قاله الجميل، لم يستطع الرئيس الحريري السكوت، فردّ على الجميل ونجم عن ذلك اشتباك كلامي دفع الحريري إلى الخروج من القاعة لبعض الوقت، ولحق به الوزير علي حسن خليل وعدد من النواب قبل أن يعودوا وينضموا إلى الجلسة.