مصيرُ قانونِ الانتخاباتِ النيابيّةِ، أي مصيرُ النظامِ الديمقراطيّ في لبنان، وبالتالي مصيرُ الميثاقِ والصيغةِ ولبنانَ الكبير، كان رهنَ جلسةٍ لطيفةٍ على هامشِ إفطارٍ في قصر بعبدا. وبعد، يَطلبون من الشعبِ أن يَثِقَ بمسؤوليه.
ماذا لو لم نكن في شهرِ رمضان الكريم؟ وماذا لو اعتذَر الرئيسُ برّي عن حضورِ الإفطارِ بحُجّةِ أن «الجُلاّبَ» متوفِّرٌ في «عين التينة» أيضاً؟ وماذا لو لم يُقِمْ رئيسُ الجمهوريّةِ مأدبةَ إفطارٍ ضَنَّاً بعصرِ النفقات وإسهاماً في خفضِ نسبةِ الدَينِ العامّ؟ أكانت استمرّت الأزمةُ الكونيّةُ حول قانونِ الانتخابات؟ نريد أن نكونَ إيجابيّين في هذه المرحلةِ الحرِجةِ، إنما ليس على حسابِ الحقيقةِ وعلى حسابِ احترامِ عقولِ الناس.
كشَفت جلسةُ الإفطارِ أنَّ الخلافَ على قانونِ الانتخاباتِ شخصيٌّ، لا وطنيّ ولا دستوريّ. عِلاجُه بالصابونِ البلَديّ. أَيُعقَلُ يا ناس، أنْ كنّا، بسببِ خلافٍ شخصيٍّ، على عتبَةِ أنْ يُمَدَّدَ للمجلسِ النيابيِّ، أو أن تُجرى الانتخاباتُ على قانونِ الستّين، أو أنْ تَدخُلَ البلادُ في فراغٍ إضافيٍّ فيَتجمَّدَ تداولُ السلطةِ وتَتعطّلُ الحياةُ الديمقراطيّة؟
كشَفت جلسةُ الإفطارِ أنَّ خِلافاً عمرُه عشرُ سنواتٍ على قانونِ الانتخابات قابِلٌ للحلِّ في جلسةِ عشرِ دقائقَ بغيابِ علماءِ الدستورِ ورجالِ القانون، وحتى وزيرِ الداخليّةِ المَعنيِّ المباشَر بالقانونِ وبالعمليّةِ الانتخابيّة. هذا يعني أحدَ أمرين: إما أنَّ خلافَ العشرِ سنواتٍ كان اصطناعيّاً وإما أنَّ اتفاقَ العشرِ دقائقَ سيكون نظريّاً. لو طالَت جلسةُ الإفطارِ، أكانوا وضعوا اتفاقَ سايكس ـ بيكو جديداً لكلِّ الشرقِ الأوسطِ الكبير. وبَعد، علينا أن نُصدِّق.
كشَفت جلسةُ الإفطارِ أنَّ «إعلانَ بعبدا» جديداً تَمَّ التفاهمُ عليه ويَشمُلُ اللامركزيّةَ الإداريّةَ ومجلسَ الشيوخ، وتثبيتَ المناصَفةِ خطيّاً، وآليّةَ نقلِ النفوسِ الجَماعيّة، إلخ. ما شاء الله، مؤتمرٌ تأسيسيٌّ في دردشةٍ سريعة.
دامَت هيئاتُ الحوارِ السابقةِ أشهراً وسنواتٍ دون أنْ تخرجَ بهذا الكَمِّ من التوصياتِ والقرارات. احتَرِموا «إعلانَ بعبدا» الأوّلَ أوّلاً قبلَ أنْ تُوهِموننا بإعلانٍ آخَر. قليلاً من الاعتبارِ لعقلِ الناسِ التفضيليِّ قبلَ أن تَطلبوا صوتَهم التفضيليَّ.
أين هي نقاطُ الاتفاقِ السياسيّ؟ اتفَقتُم على التمديد، والباقي تفاصيلُ. لقد انعقدت جلسةُ بعبدا لتبريرِ فتحِ الدورةِ الاستثنائيّةِ قبلَ الاتفاقِ النهائيِّ على قانونِ الانتخابات، وستُعقَد الجلسةُ النيابيّةُ لتغطيةِ التمديدِ غيرِ التقنيِّ للمجلسِ النيابيّ.
أجَلْ، التمديدُ الجديدُ هو قرارٌ سياسيٌّ على مستوى الدولةِ من أجلِ أهداف عديدةٍ أبرزُها: تجديدُ المفاوضاتِ على تفاصيلِ قانونِ الانتخابات، إنجازُ بعضِ المشاريعِ في المناطقِ ليعودَ ريْعُها الانتخابيُّ لقوى السلطة، انتظارُ مصيرِ العقوباتِ الأميركيّةِ على حزبِ الله، وربّما على غيرِه من أركانِ الدولة، استكشافُ مدى جِدّيةِ التهديداتِ الإسرائيليّةِ، معرفةُ مسارِ التحوّلاتِ العسكريّةِ والكيانيّةِ في سوريا، تَرقُّب نوعيّةِ السلوكِ الأميركيِّ الجديدِ بعدَ قِمّةِ الرياض.
وهكذا، قبلَ دقائقَ قليلةٍ من وصولِ الرئيسِ بِرّي الى قصرِ بعبدا، حَجَزت الرئاسةُ تاريخَ المهلةِ الدستوريّةِ قبلَ أن يَحجُزه غيرُها. حَذاقةٌ متناهيّةٌ في تحديدِها: لا من خمسةِ ولا من ستّةِ، بل مِن 07 حزيران إلى 20 منه ضِمْناً.
المُهمّ ألّا تبدأَ المُهلةُ في 05 حزيران، الموعدِ الذي فَتَكَ فيه رئيسُ المجلسِ النيابيِّ بالصلاحيّاتِ الرئاسيّةِ وبمصيرِ الوجودِ المسيحيِّ في لبنانَ والشرق، وبيتَ لَحْم ضِمناً، فأعلن من مَرْبَعِ الرئاسةِ الثانيةِ عن نيَّتِه تحديدَ الجلسةِ قبل إعلانِ فتحِ الدورةِ من قصرِ الشعب.
غريبٌ كَم نحن اللبنانيّين ذَوّاقـةٌ: أردنا ألّا يُصادِفَ موعدُ بَدءِ الدورةِ الاستثنائيّةِ مع بَدءِ هزيمةِ العربِ الاستثنائيّةِ في الخامسِ من حزيران 1967 فنُعكِّر عليهم نَشوةَ الهزيمة. لكنْ، سَها عن بالِنا أنَّ في 07 حزيران 1981 قَصفت الطائراتُ الإسرائيليّةُ مُفاعِلَ «أوزيراك» النوويَّ في العراق ودمَّرته. ألا يَستحقُّ العراق، ولو مُدمَّراً، الوقوفَ على خاطرِه في هذا اليومِ المشؤوم؟
وماذا لو كان الرئيسُ نبيه برّي حدَّد موعِدَ أولِّ جلسةٍ الساعةَ الثانيةَ عشرَةَ والدقيقة الأولى من ليلِ 06/07 وجَلَب النوّابَ المسيحيّين من السريرِ، والنوّابَ المسلمين من السُحور للتشريعِ وتقريرِ المصير؟ أو ماذا لو كان الرئيس بِرّي حَدَّد أوَلَ جلسةٍ في آخِرِ يومٍ من المُهلةِ الاستثنائيّةِ أي في 20 حزيران؟
ستكون مصادَفةً تاريخيّةً: في 20 حزيران سنةَ 1789 اجتمع نوّابُ فرنسا واتّفقوا على ألّا يَخرُجوا من مجلسِ العمومِ قبلَ أن يَضعوا دستوراً جديداً للدولةِ في ما عُرف بقَسَم «لُعبةُ الكفِّ» (jeu de paume).
لكنّه فَضّل أن يَقفُزَ فوقَ هذه التواريخِ الرمزيّةِ فحدَّدها في 12 حزيران الجاري. لكن، في 12 حزيران سنةَ 1924 وُلِد الرئيسُ جورج بوش الأبّ الذي اعطى الضوءَ الأخضرَ لإسقاطِ الجنرال ميشال عون في 13 تشرين الأوّل 1990 ولعودةِ الجيشِ السوريِّ إلى لبنان مقابلَ مشاركةِ حافظ الأسد في التحالفِ الدوليّ الذي طَردَ جيشَ صدَام حسين من الكويت وحاصرَ العراق.
الصُدفةُ لا تأتي صُدفةً أحياناً. هنا، هي ثمرةُ جهودِ وسهرِ باسيل وعدوان وكنعان وحريري وحريري وعون وعون وعون وعون. أَحتِرم الجميعَ، غيرَ أنَّ قوانينَ الانتخاباتِ لا تُوضع كذلك. السياسيّون يَتّفقون على فكرةِ القانونِ، أما بُنيتُه الدستوريّةُ وتفاصيلُه القانونيّةُ وآليّتُه التنفيذيّةُ فيَضعُها الخبراء والإخصائيّون.
لا فؤاد شهاب ولا كميل شمعون ولا صائب سلام ولا رشيد كرامي ولا بيار الجميل ولا كمال جنبلاط ولا ريمون إده كانوا يَسُنّونَ قوانينَ الانتخابات، بل الحكومةُ والمجلسُ النيابيُّ من خلالِ إخصائيّي العِلم الدستوري والسياسيّ. أين نحن اليومَ من الأصولِ العِلمية؟ بل أين المسؤوليةُ الوطنيّةُ تجاه أهمِّ قانونٍ بعد الدستورِ؟ فمِن خِلال قانونِ الانتخابات تَنبثِقُ كلُّ السلطات مِن رئاسةِ الجمهوريّة إلى المجلسِ النيابي فمجلس الوزراء؟
وبالمناسبة أين أصبحت حقوقُ المسيحيّين والوعدُ بتحسينِ تمثيلِهم بحيث يَنتخب المسيحيّون نوابَهم ألــ64؟ صحيح أنّنا تقدَّمنا، لكن، ليس كلُّ يومٍ نستطيعُ أنْ نُغيِّرَ قانونَ الانتخابات.