حرف قانون الإنتخاب عن أسبابه الإصلاحية الموجبة خديعة لمواصلة تهميش المسيحيين
توجّه قصدي لتكبيل رئاسة الجمهورية بممارسات مختلّة بنيويا وسياسيا ودستوريا
إن إصرار هذه القوى المهيمنة على إجهاض الإصلاحات التي رمى إليها القانون الإنتخابي الجديد، وضع هذا التوجّه الإقصائي – التحييدي القصديّ في قائمة الهواجس
ثمة انطباع واسع بأن المسيحيين، على نحو خاص، يتعرضون راهنا لخديعة سياسية قائمة على محاولة حرف قانون الإنتخاب، والنسبية تحديدا عن أسبابها الموجبة.
مردّ هذا الانطباع، الذي يقرب اليقين، أن ثمة قوى سياسية تسعى بكل ما أوتيت من عزم ودهاء الى مصادرة قانون الإنتخاب بعلّة وجود التشاركية – الإصلاحية والكيانية – التأسيسية، بحيث تُحصر مفاعيله بتحصيل هذه القوى عددا إضافيا من النواب، مع إسقاط كل مفاعيله الإصلاحية، وخصوصا تزخيم الاقتراع المسيحي ورفع نسبته في الأطراف (الطرفان الجنوبي والبقاعي على سبيل المثال). وهذا الإسقاط لبند هام في القانون لا يقوم إلا بإجهاض الإنتخاب بالبطاقة الرقمية أولا، ومن ثم بنسف فكرة التجمعات الانتخابية (الميغاسنتر) ثانيا، بحيث يصير متعذرا على مسيحيي الأطراف المشاركة في الاقتراع، وهم المعروفون بتلكئهم في ترك أماكن سكنهم في المدن بغرض تحمّل مشقة التوجّه الى قراهم يوم الانتخاب. ويأتي هذا التلكؤ المسيحي تحديدا في مصلحة القوى المهيمنة على هذه الأطراف، بحيث كلّما تدنت نسبة الإقتراع المسيحي كلّما زادت فرص نجاح نواب يفترض أن يمثلوهم، بأصوات غير أصواتهم، وبأذرعة غير أذرعتهم، ولا تلتقي قي غالب الأحيان مع مصلحتهم الكينونية وسلاسة دورهم.
عزّز إصرار هذه القوى المهيمنة على الأطراف، في العقود الثلاثة الأخيرة، على تضمين لوائحها الإنتخابية شخصيات مسيحية غير وازنة أو تمثيلية، عزّز الشعور المسيحي العارم بوجود رغبة واضحة بإقصائهم عن المشاركة الفاعلة والقادرة في الحياة العامة.
ولا ريب أن إصرار هذه القوى المهيمنة على إجهاض الإصلاحات التي رمى إليها القانون الإنتخابي الجديد، والتي لا تتحقق فعليا من غير زيادة نسبة الاقتراع المسيحي تحديدا، وضع هذا التوجّه الإقصائي – التحييدي القصديّ في قائمة الهواجس، وإلا ما الغرض من الإمعان في نسف أي فكرة تؤدي أو تسهم في زيادة الاقتراع وفي تحفيز الناخب للتوجّه الى صندوق الاقتراع.
ويتقاطع هذا الشعور التهميشي مع المساعي القائمة بنيّة تكبيل رئاسة الجمهورية، التي هي في الوجدان المسيحي رمز القوة وعلّة الاستمرار، وجعلها تحت رحمة قوى سياسية تفنّنت على امتداد عقود الطائف الثلاثة بالحدّ من تأثيرها، حينا بذريعة الصلاحيات واحترام اتفاق الطائف، وحينا آخر بحجة التزام موجبات التوازن المفقود أصلا، عبر ممارسات واختلالات بنيوية – مصلحية مناقضة تماما لنصّ الطائف عينه، أو في أضعف الإيمان منحرفة بالمعنى الفقهي، كمثل جعل وزير ليس فقط قيّما على باقي الوزراء، بل مصدّقا على توقيع رئيس الجمهورية نفسه!
لا يغيب هذا الواقع عن بال المعنيين بوضع حد له. والحملات التي تتعرّض لها رئاسة الجمهورية، واستطرادا التيار الوطني الحر الذي يُنظر اليه على أنه الذراع السياسية – التنفيذية لأي توجّه رئاسي، لن تجعل العهد يحيد قيد أنملة عن رغبته الإصلاحية على مستوى إعادة تكوين السلطة من خلال منح اللبنانيين حق الاقتراع، حقا مطلقا وغير مقيّد. ويحتفظ بغية تحقيق ذلك بمروحة من الخيارات تبقى فاعلة، رغم ضيق الوقت الفاصل عن بدء أولى مراحل الاستحقاق الانتخابي، نهاية نيسان المقبل.
وإذ يحرص المعنيون على التحفّظ عن البوح بالمزيد عن هذه الخيارات، تبقى لافتة عبارات وزير الخارجية جبران باسيل أمس. فهو كان واضحا ومباشرا في قوله «اننا دخلنا في سنة الإستحقاق الأكبر وهو الإنتخابات النيابية ولبنان على موعد لإصلاح نظامه السياسي»، و«اننا نواجه التحديات بمزيد من العمل وبتجديد أنفسنا ديموقراطيا لأننا بذلك نحصّن البلاد». وفي تلك العبارتين الكثير مما ستنطوي عليه الأيام القليلة المقبلة.