اليوم نهار جديد، الاول، في الولاية الثالثة لمجلس النواب المنتخب عام 2009، المستمر بلا انتخابات مذذاك. اكثر من تمديدي 2013 و2014، الافرقاء جميعاً ضالعون في ما يمكن حسبانه تمديداً سياسياً لا تقنياً ما دام عمره سنة هي ربع الولاية الأم
ليس قليلاً القول ان قانون النسبية الذي اقره مجلس النواب الجمعة الفائت هو اكثر من قانون واكثر من آلية انتخابات نيابية عامة:
1 ــــ نقل اولاً نظام الانتخابات من التصويت الاكثري الى التصويت النسبي غير المجرّب، الا انه اسقط قاعدة اللائحة الواحدة الفائزة التي غالباً ما صنعت الطبقة السياسية وحفظت استمرارها، ومكّنتها من الامساك بالسلطة وفرض قوانين الانتخاب المتعاقبة.
حصل ذلك مع الطبقة السياسية الحالية، كما تلك التي سبقتها قبل الحرب. اسقط ايضاً ــــ او يُفترض ان يفعل ــــ الاحجام المنفوخة المحسوبة سلفاً، وحمل الافرقاء على توقع كتلهم اصغر مما كانت عليه. ما يعيد التوازن الفعلي الى البرلمان.
2 ــــ تمكن ثانياً من وضع اول قانون جديد للانتخاب منذ عام 2000، اذا كان لا بد من الاخذ في الاعتبار ان قانون 2008 منسوخ عن قانون 1960 في معظمه، ما خلا بعض اجراءات الاقتراع. رغم نظام الاقتراع المختلف تماماً، الا ان في القانون الجديد بعضاً من انفاس قانون 1960 على نحو الدوائر الانتخابية الثلاث في بعلبك ــــ الهرمل، البقاع ــــ الغربي ـ راشيا، مرجعيون ــــ حاصبيا.
قانون النسبية ثالث مسمار في اتفاق الدوحة وبعده لم يعد ثمة شيء اسمه الطائف
لا يُشبه كلٌ من هذه الاقضية، المدمجة في ثلاث دوائر انتخابية، دوائر كسروان ــــ جبيل وجزين ــــ صيدا والشوف ــــ عاليه وسواها، بحيث يكون للمقترع ان يختار صوتاً تفضيلياً في اي من قضاءي الدائرة الانتخابية، بل يقتضي بالمقترع في دوائر بعلبك ــــ الهرمل والبقاع الغربي ــــ راشيا ومرجعيون ــــ حاصبيا ان يتصرف حيالها ــــ وإن هي ستة اقضية ادارية ــــ الا انها لا تزال دوائر انتخابية ــــ اقضية على نحو ما نصّ عليه قانون 1960 واخذ به قانون 2008. لا صوت تفضيلياً على القضاء في الدوائر الثلاث هذه، بل على الدائرة نفسها. ليس لناخب دائرة البقاع الغربي ــــ راشيا ان يمنح صوته التفضيلي لمرشحه في البقاع الغربي دون راشيا او العكس، كذلك الدائرتين الاخريين، بل هو ملزم منح صوته التفضيلي لمرشحه في الدائرة المدمجة ككل. ذلك ما كان عليه قانون 1960 عندما جعل الرئيس فؤاد شهاب من الاقضية الستة الادارية تلك استثناءً ودمجها في ثلاث دوائر انتخابية موقتاً، سرعان ما اضحت اجراء دائماً، خلافاً للدوائر الـ20 الاخرى في قانون 1960.
3 ــــ منع الافرقاء اللبنانيين ثالثاً من ان يقرنوا القانون الجديد باتفاق مسبق على شبكة تحالفاتهم على نحو ما خبروه قبلاً، حينما اعتمدوا على انفسهم في تقسيم الدوائر الانتخابية ما بين عامي 1992 و2000 وعلى السوريين في بناء تحالفاتهم الطوعية والمفروضة.
من الآن حتى موعد انتخابات 6 ايار 2018، سيكون على الافرقاء اياهم ان يكبوا على التفكير ملياً في تحالفات مختلفة لا تشبه تلك التي رافقت استحقاقي 2005 و2009، ولا استحقاقات ما بين 1992 و2000 وكانت بين يدي السوريين. وقد تحمل التحالفات كما الافتراقات المستجدة اكثر من مفاجأة في نتائج انتخابات 2018 اذا ارتسمت طبيعة العلاقات ما بين الافرقاء عشيتها على نحو ما هي عليه اليوم.
لكن ثمة ما هو اهم من ذلك كله، هو ان قانون النسبية وَارَى على الملأ اتفاق الدوحة الى غير رجعة. لم يكن تبقى من بنود هذا الاتفاق عام 2008 سوى قانون الانتخاب المنسوخ عن قانون 1960. سقطت منه نهائياً الى غير رجعة ايضاً فكرة الرئيس التوافقي. سقطت منه فكرة تقاسم النصاب القانوني في الحكومة وما دُعي الثلث المعطل بانهيار قوى 8 و14 آذار بعدما فُصّل على قياس توازن قواهما في السلطة الاجرائية. سقطت منه ايضاً ــــ حتى اشعار آخر ــــ فكرة طاولة حوار وطني تخصص للاستراتيجيا الدفاعية لبت مصير سلاح حزب الله الذي لم يعد احد يتحدث عنه، بما في ذلك تيار المستقبل الذي ربط يوماً موافقته على النسبية بتخلي الحزب عن سلاحه، فإذا هو يذهب اليها مجاناً ويقلل اكثر من ذي قبل سجاله مع هذا السلاح.
كان قانون 2008 آخر ما تبقى من اتفاق الدوحة كي يذكّر بالتسوية تلك. اول مسمار فيه انتخاب الرئيس ميشال عون، وهو لم يكن مرة مرشحاً توافقياً ولا اضحى الآن رئيساً توافقياً على صورة تجربة 2008 ــــ 2014. ثاني مسمار هو حكومة الحريري حينما أُعطي المسيحيون للمرة الاولى ان يختاروا وزراءهم بأنفسهم ويختاروا حقائبهم حتى. ثم كان مسمار قانون الدوائر الـ15.
كان على القانون الجديد ان يواري ايضاً ما نصّ عليه اتفاق الطائف بازاء قانون الانتخاب. مع ان وثيقة الوفاق الوطني لم تحدد نظام الاقتراع، الا ان تحدّثها عن الدائرة المحافظة ــــ وإن بعد اعادة النظر في التقسيم الاداري ــــ كان يشير الى دائرة ــــ محافظة هي اقرب الى المحافظات التاريخية الخمس. اكبر بكثير من القضاء، واصغر بكثير من الدائرة الواحدة، تفصل تماماً ما بين الدائرة الانتخابية والوحدة الادارية سواء كانت قضاء او اكبر بقليل او اصغر بقليل حتى. بيد ان ذلك كله تحت سقف نظام الاقتراع التقليدي في الانتخابات النيابية اللبنانية، وهو التصويت الاكثري.
من الآن فصاعداً لا يسع احد الكلام عن التطبيق الحرفي لما تبقى في اتفاق الطائف. يكاد لم يتبقَ منه شيء: لانتخاب مجلس نواب وطني خارج القيد الطائفي واستحداث مجلس للشيوخ تفسيران مختلفان، اللامركزية الادارية في الكهف، الهيئة الوطنية لالغاء الطائفية السياسية في خبر كان.
ما خلا ما أُدمِج من اصلاحات في متن الدستور وبات تنفيذها ملزماً للسلطات، لم يعد ثمة شيء اسمه الطائف سوى في التاريخ.