لا الماكينات الانتخابية «كوَّعت» طريقها من قانون 1960 إلى القانون الجديد، ولا القوى السياسية «قبضت» جدّياً أنّ هذا القانون، وليد العملية القيصرية، سيرعى الانتخابات المقبلة. فالجميع ينتظرون أمراً سيحصل، ويبدو أنّ ملامحه بدأت تظهر.
ما هو المنتظر في قانون الانتخاب الجديد؟
لم يعد مجرَّد تحليل أنّ هذا القانون سيكون عرضةً للنقاش، على طاولة الحوار، خلال فترة الـ11 شهراً الممدّدة. فالأوصاف التي أطلقها عليه صُنّاعه أنفسهم، وتأكيدهم أنه في حاجة ماسّة إلى التعديل كافية لإثبات الشكوك.
منذ اللحظة الأولى، يكرِّر الوزير جبران ياسيل أنّ القانون الجديد فيه «أخطاء»، و»علينا الذهاب في هدوء، خلال الأيّام والأسابيع القليلة المُقبلة، إلى إعداد مشروع قانون تعديليّ لهذا القانون، في مسائل مهمّة وبنيويّة وأخرى أقلّ أهميّة». فالمطلوب، يقول باسيل، معالجة الثغرات «ليأتي القانون العتيد كاملاً وأكثر إصلاحاً».
هذا الكلام ليس بسيطاً، بل يؤشر إلى نيّة مؤكّدة لدى العهد لدعم الاتجاه التعديلي، من خلال الحوار المنوي إطلاقه في بعبدا، غداً. والعقد الاستثنائي للمجلس النيابي، الذي فتحه رئيس الجمهورية، حتى 16 تشرين الأول، ربما يُراد منه إقرار التعديلات المُحدَثة في حال التوافق عليها.
ويبدو أنّ اللجنة التي تولّت تذليل الصعوبات لإنتاج قانون الانتخاب ستُكلَّف البحث في التعديلات العتيدة، فيما تكون النقاشات دائرة بين القوى السياسية، في بعبدا، حول النقاط الساخنة من اتفاق الطائف: مجلس الشيوخ، اللامركزية الإدارية، إلغاء الطائفية السياسية وسوى ذلك. وهذا ما قد يهدّد بنسف القانون من أساسه.
ما هي الملاحظات والتعديلات «المهمّة والبنيوية» والأخرى «الأقل أهمية» التي أعلن باسيل رغبته في طرحها؟
• تصحيح الأخطاء والاعتراضات حول عتبة التأهيل، وإيضاح آليات الفرز وإعلان النتائج بدقّة، والطريقة التي يتم بها احتساب الأصوات في اللوائح غير المكتملة. وهذه كلها غامضة في القانون الجديد.
• إقتراع المغتربين.
• تصويت العسكريين.
• «الكوتا» النسائية.
• البطاقة الممغنظة التي يعتبرها باسيل مجرّد عنوان للتمديد الطويل. فإذا تمّ التخلّي عنها، سيتمّ النظر مجدداً في العودة عن التمديد 11 شهراً.
المتابعون يقولون: «إذا طَرح باسيل تعديلاته، فإنّ قوى أخرى تستعد لطرح تعديلات أخرى في القانون الهشّ والسريع العطب. وأبرزها المتعلقة بوحدة المعايير في التقسيمات الانتخابية.
ففي المراجعة، يتبيّن أنّ تقسيم الدوائر تمّ اعتباطياً وعشوائياً واستفزازياً وعلى القياس في أكثر من منطقة (صيدا- جزين، صور- الزهراني، المنية- الضنية، بعلبك- الهرمل…)
وإذا تزامن ذلك مع فتح النقاش حول تنفيذ بنود في «اتفاق الطائف»، فذلك سيعني تجاذباً بين القوى الطائفية والمذهبية والسياسية المتنازعة يعيد فتح الملفات كلها، بما فيها قانون الانتخاب، قبل أن يُتاح لهذا القانون أن يشهد اختباره التنفيذي الأول!
لقد وافق الجميع على القانون الجديد «تحت ضغط الوقت». وارتضى كل طرف أن يحصل على ما أمكن من مكاسب فيه، على أمل تحسين الشروط لاحقاً. وإذا فُتِحت ورشة التعديلات المطلوبة، فقد يعني ذلك موت القانون قبل أن يولد ميدانياً.
وهذا السيناريو شبيه بما جرى في الدوحة في العام 2008. فيومذاك، تحت الضغط الإقليمي والدولي، اعتبر المسيحيون أنّ إجراء الانتخابات وفق قانون الـ60 سيكون محطة انتقالية نحو قانونٍ أكثر ملاءمة لهم.
لكنّ القوى الأخرى أيضاً كانت تعتبر الـ60 محطة مرحَلية، لا مفرّ منها لإرضاء المسيحيين. وقامت هذه القوى بإمرار المرحلة، لكنها قرّرت التصدّي لـ«التمادي» المسيحي في الجولات اللاحقة. ولذلك، فضّل الحلف الرباعي أن يمدِّد لمجلس 2009 مدّة 4 أعوام، ثم عاماً آخر «تقنياً»، من دون مبرِّرات منطقية.
ويُراهن بعض المطلعين على أنّ القانون الجديد، في شكله الحالي، وبالنتائج المتوقع أن يحققها، لن يكون له الحظّ في رعاية الانتخابات النيابية المقبلة، وأنه سيتعرّض لتعديلات أساسية. وفي أيّ حال، إنّ إجراء الانتخابات في أيار المقبل ليس مؤكداً، وهو مرهون بكثير من المعطيات في ذلك الحين، خصوصاً على مستوى المعركة الإقليمية الكبرى حيث ينتظر كل طرف أن تتحقق له الغلبة.
ولذلك، يقول هؤلاء المطلعون: «القوى الجدّية لم تكلّف نفسها حتى الآن عناءَ البحث في موازين الربح والخسارة التي ستنتج عن الانتخابات إذا جرت في
ظل هذا القانون، ربما لأنها تدرك أنه ليس «قانوناً نهائياً»، وأنّ أيّ تعديل سيطرأ عليه سيقلب نتائجه رأساً على عقب».
كما أنّ التحالفات السياسية سيكون لها أثرٌ حيوي، خصوصاً في ما يتعلّق بنجاح تحالف «التيار» و«القوات اللبنانية»، في مختلف المناطق، بدءاً من الشمال، أو فشله.
ولم تظهر ردود على الانطباع الأولي بأنّ القانون، في صيغته الحالية، سيتيح لـ»القوات اللبنانية» وحدها أن تحقق نقلة نوعية في المجلس النيابي المقبل، فيما القوى الأخرى ستكتفي بالحفاظ على حجم كتلها أو تتنازل عن بعض المقاعد، كما هي حال «التيار». ولذلك، يبدو لافتاً تمسُّك «القوات» بالقانون، وإعلان الوزير غسان حاصباني رفض الدخول في تعديلات جوهرية عليه، تؤدّي إلى نسفه وإعادة صَوْغ قانون جديد.
المطلعون يقولون: «ستكون التعديلات المطروحة هي الورقة التي سيلعبها باسيل، ولكن، هل يتّخذها بعض القوى سبباً جديداً لتعطيل السير في القانون الساري المفعول، أي قانون النسبية و15 دائرة، كما جرى تعطيل الانتخابات اعتراضاً على القانون الذي كان ساري المفعول، أي قانون 1960؟