Site icon IMLebanon

مَرَض زعماء لبنان … اسمه سورية

      

اشتهر لبنان بكونه بلد الحرية والانفتاح في المنطقة العربية، وأرجع كثيرون أسباب تميزه إلى أن المجتمع فيه أقوى من الدولة وأقدر على المبادرة اقتصادياً وثقافياً، كما أرجعوه إلى التوازنات الطائفية التي تتيح ما هو أبعد من حرية العقيدة التي كفلها الدستور، بحيث أن الفرد اللبناني هو أيضاً حرّ في الانتماء اجتماعياً وسياسياً إلى طائفة أو الخروج عليها.

 

 

لكن الحريات في لبنان، بدأت تتراجع منذ تسلّم قادة الحرب الأهلية الحكم واقتسموه مستندين إلى تمثيلهم طوائفهم. أكثر من ذلك، فهم انصرفوا إلى القطاع الخاص محاولين تطييفه ونجحوا في ذلك إلى حدّ بعيد، فصرنا نرى مظاهر غريبة عن سلوك المؤسسات الخاصة في مجتمع رأسمالي، إذ يختار صاحب المؤسسة موظفاً من طائفته وإن كان مرشحون لهذه الوظيفة أكثر منه كفاءة وخبرة. ليس الأمر غريباً فقط إنما هو عجيب، فكأن المؤسسة الاقتصادية الخاصة في لبنان تتجاوز عصرنا في رجعة إلى القرون الوسطى حين كانت تقام إلى جانب المساجد والكنائس مؤسسات حرفية يعمل فيها المؤمنون من دون غيرهم.

 

تراجع الحريات تكرس في تعاون الزعامات الجديدة للطوائف مع سلطة الوصاية السورية التي تقاسمت معهم ثروات الشعب اللبناني وأدت دور القامع بالنيابة عنهم، والحال أن الجميع تعاون مع سلطة الوصاية، وإن كان البعض تصادم معها لاحقاً لأسباب إقليمية ودولية لا لأسباب وطنية. وحتى بعد انسحاب الوصاية السورية الذي أعقب اغتيال الرئيس رفيق الحريري بقيت الآلية نفسها، وإن اقتصرت على استبداد كل زعيم في طائفته، وعلى الصراع الشكلي بين الزعامات ولقائها الضمني وفق مصالح متبادلة يحرص عليها الجميع حتى في أصعب الأزمات.

 

الآن، تبدو الزعامات اللبنانية أمام مرحلة مختلفة، لجهة المتغيرات القائمة في سورية حيث استعاد النظام بعضاً من قوامه الذي كان محطماً وحيث تراجعت المعارضة السياسية تحت وطأة عسكرة أخذت معظم الشعب السوري إلى فضاءات لا تعنيه، بحيث صار وطنه مجرد ساحة لقوى إقليمية ودولية، وتحوّلت التنظيمات العسكرية المعارضة، في معظمها، إلى فروع لتنظيمات إرهابية عابرة للحدود، لا تهمها مصالح المواطن السوري العادي، إذ تراها محدودة القيمة أمام مشروع الدولة الإسلامية العالمية.

 

والزعماء اللبنانيون المنقسمون في الموقف من سورية، لن يقدم لهم وضعها الجديد صورة واضحة تنعكس على صورتهم في الداخل، فكلا الطرفين في سورية ضعيف وغير مؤهل لاستعادة التأثير في لبنان. إنها مرحلة فراغ لزعماء لبنانيين افتقدوا الدعم من الداخل السوري ولم يتأهلوا لإدخال قوى إقليمية ودولية في تفاصيل سلوكهم السياسي الذي طالما خبروه مع الوصي السوري وخبره معهم.

 

ويبدو تعثر تشكيل الحكومة علامة على عجز الزعماء اللبنانيين عن قراءة صورة الحكم في سورية ما بعد الحرب، كما عن تخوفهم من عودة النظام إلى سلوكياته المعهودة تجاههم موالين له أم معارضين. المؤكد أن الحكم السوري لن يعود إلى سابق عهده. هذا ما يراه الكبار الذين يهندسون الإدارة السياسية السورية المقبلة. ولكن، لا يستطيع الزعماء اللبنانيون التخلي عن مباهاة اعتادوها بحاكم دمشق أو عن كراهية لا يستطيعون إخفاءها تجاهه.

 

يحتاج هؤلاء إلى مهدئ نفسي سياسي للتخلص من رهاب الخوف من دمشق أو «رهاب» تكرار الولاء لها بما يفيض عن الحاجة.

 

والحقيقة الواضحة أن آخر همومهم هو المواطن اللبناني.