ضربة جديدة تلقاها «حزب الله» في سوريا منذ يومين تمثّلت بمقتل قائد عسكري رفيع يُدعى حاتم حمادة، الملقّب بـالحاج «علاء«، أو «125» الرقم الذي كانوا يُنادونه به على جهازه اللاسكلي. وقد سقط بتفجير عبوة ناسفة استهدفته مع عناصر آخرين من الحزب، أصيبوا بجراح بالغة أثناء دخولهم «مشروع 1070» في ريف «حلب» بعد أقل من أربع وعشرين ساعة على سيطرتهم على الموقع.
تقول المعلومات التي تناقلها بعض عناصر «حزب الله»، أن العبوة كانت مزروعة على جانب الطريق المؤدي إلى الموقع الذي كان قد سيطر عليه الحزب والنظام السوري قبل يوم واحد، وأن من بين المُستهدفين، خمسة عناصر من «حزب الله» وقائد ميداني يُدعى «ساجد» من بلدة كفرملكي إصابته طفيفة. كما انه يُعتبر من الشخصيّات الوازنة في العمل العسكري في الحزب وقد تسلّم في مراحل سابقة، منصباً حسّاساً في المجلس «الجهادي» قبل أن يتم إختياره لإدارة دفّة المعارك على جبهة «القلمون» وبعدها في دمشق في منطقة «السيدة زينب»، وإنتقاله أخيراً إلى جبهات عدة في «حلب» وريفها.
ما كان لافتاً في خبر مقتل الحاج «علاء» أمس، هو عودة «حزب الله» إلى دائرة المعارك بقوّة في «حلب» بعد ان كانت غابت المعلومات عن تحضيراته العسكرية واللوجستية هناك، لأكثر من شهر، لكن يبدو عودته إلى ضوء الحرب، لم تكن موفقة، إذ إنه فقد قائداً لا يُمكن تعويضه بسهولة، فقد كانت له صولات وجولات على مواقع الجنوب في زمن الحرب مع إسرائيل. وعلى الرغم من خروج الحزب في الفترة الاخيرة من حالة الإختباء وراء إصبعه في عملية تعداد سقوط العناصر والقادة، إلا أن هذا الأمر ما زال يُشكّل له إحراجا كبيراً أمام جمهوره الذي يتساءل في الكثير من الأحيان، عن المكاسب التي تحقّقت حتّى اليوم في سوريا، خصوصاً أنهم يلمسون بشكل لا لبس فيه، سقوط قادة كبار في مكان يعتبرونه لا يليق بهم ولا بمكانتهم ولا حتّى بالخبرات العسكرية والأمنية التي اكتسبوها منذ العام 1982.
من الواضح ان «حزب الله« يعيش أزمة تفوق التصورات والإستراتيجيات التي كان وضعها لحربه في سوريا وخصوصاً في مدينة «حلب». فمن خلال عملية حسابية بسيطة يُمكن تبيان حقيقتها من خلال إعترافات الحزب نفسه، يتبين أنه ومنذ دخوله العلني والفعلي في الحرب في سوريا، أي منذ ما يقارب الأربع سنوات أو أقل بقليل، بأن خسائره البشرية التي تخطت الألفين وخمسمائة عنصر، تفوق حجم الخسائر التي كان قد تكبدها ضد إسرائيل لفترة تزيد ربما على عشرة أعوام، عدا الخسائر التي يتكبدها أيضاً، في صفوف العناصر الذين تراوح اعمارهم بين السادسة عشرة والخامسة والعشرين عاماً، وهو أمر يُفسّره البعض على أنه يكشف حقيقة المأزق الذي يُعاني منه الحزب من جرّاء خسارته للكثير من القادة العسكريين في الحرب السورية والذي أثّر بشكل كبير في نوعية اداء عناصره في الميدان.
اليوم يعود الخوف ليتسلّل مُجدّداً الى قلوب قادة وعناصر وجمهور «حزب الله« بعد دفع الاخير بقادته العسكريين والميدانيين إلى جبهات القتال المباشر في سوريا ومقتل أعداد كبيرة منهم، ومن هؤلاء القادة، من يقلق من المصير الذي ينتظره في دوّامة الصراع السوري ورماله المتحركة. وبرأي هؤلاء أن حزبهم ازداد تورطاً ومعه تزداد الأمور تعقيداً، فلا القيادة برأيهم قادرة على تحقيق ما سبق ووعدت به، ولا جمهوره، عاد قادراً على تحمل المزيد من الخسائر بعدما دخل الموت الى كل قرية ومنزل بدءاً من الضاحية الجنوبية والبقاع وصولا إلى الجنوب.
مجدّداً، عاد «حزب الله» إلى واجهة الإكتواء بنار حروب يبتكرها هو ويُلاحقها من جبهة إلى أخرى ويتبرّع بقتل عناصره وقادته بالمجان في سبيل قضايا لا تعود عليه ولا على أبناء طائفته بالنفع ولا بالفائدة. خسائر باهظة ومُكلفة تصل إلى حد الإنتحار الذاتي. قادة سقطوا في سوريا، لن يحمل الزمن بمثلهم لا إلى الحزب ولا إلى أهاليهم. في بيئة «حزب الله» تحضر اليوم جملة أسماء كان يُفترض توفيرها ليوم قد تُكرّر فيه إسرائيل
الاعتداء على الجنوب وأهله ولبنان ككل. جهاد مغنية، محمد احمد عيسى، أبو محمد سلمان، أبو محمد الإقليم، مهدي عبيد، فوزي أيوب، غسان فقيه، علي خليل عليان، فادي الجزار، حسن علي جفال، حسن حسين الحاج، سمير القنطار وغيرهم كُثر، فكل هؤلاء القادة الذين زجّ بهم الحزب في الحرب السوريّة، لا بل أغرقهم في مستنقع الموت السوري، قد تركوا أكثر من فراغ في بنيته العسكرية وتأثيراً سلبيّاً داخل جمهوره. والسكوت عن هذه الجرائم اليوم، لا بد وأن يأتي يوم، وتخرج فيه الأصوات المخنوقة إلى العلن، وتُطالب بمحاسبة المسؤولين عن مقتل العناصر والقادة.