حرّيف الشطرنج يلعب بين حدّي نسف ترشيح عون ومراكمة المكاسب وتحصينها
قيادة التيار مرتاحة للمسار الرئاسي المحلي لكن لا تهاون مع المتربّصين بالحقوق
كلام عون في 15 تشرين سيكون إما احتفالاً بالرئاسة أو إبلاغاً بالآتي إن بقيت متعثرة
يتفنن لاعب الشطرنج السياسي في نقلاته على الرقعة المربّعة. حرفيته وإلتصاق أصدقائه الخلّص به يتيحان له مناورة تلو أخرى، أنى ضاقت تلك المساحة. توأمه سلّم له إدارة شأنيهما السياسي، بعد عراك الإنتخابات البلدية والإختيارية في العام 1998، فيما اللاعب الحرّيف إياه لا يفرّط بشبر في الإستراتيجيا التي ثبّتها مع توأمه مع بدايات الجمهورية الثانية. لا مزاح في كل ما يتعلق بمشروع المقاومة وعملها.
يصعب على «التيار الوطني الحر» أن يقع على «الفورمولا» التي تحكم العلاقة بين «أمل» و«حزب الله»، بين نبيه بري وحسن نصر الله. يصعب عليه أن يقتنع بنصيحة من يوجّهون بوجوب تبديل مقاربته لهذه العلاقة. هي ليست بين آمر ومأمور، بين آمر وطائع، قيل للقيادة. هي بين حليفين، ولهذا السبب إستوت على العلاقة بين بري وعون الصفة الشهيرة: حليف الحليف. هي بين متساويين، يتقدّم حزب الله حيناً وربما أحياناً غالبة، ويسطع نجم الحركة حيناً آخر. انهما حاجة مشتركة، متبادلة. تالياً، لا مناص من الحوار العوني مع نبيه بري، من إلتقاء مباشر لتذليل ما علق من شوائب بين الحزبين، نتيجة سوء فهم أو غياب الكيمياء الشخصية. الحوار المباشر، ربما، يذلل العقبات امام رئاسة عون.
في الموازاة، ثمة من يعتقد ان رئيس المجلس النيابي يناور راهناً في مساحة ضيّقة، وبأدوات محدودة، بين حدّين إثنين:
أ-سعياً إلى نسف مسار عون الرئاسي، من خلال تعويم –- ترشيح سليمان فرنجية (لو شكليّ) ودفعه الى الواجهة (وهو ما حصل)، ومن خلال الإستعانة بمن هو قادر على الضغط المعنوي على سعد الحريري، ومن أفضل من الحليف الأزلي وليد جنبلاط،
ب-أو بحثاً عن مراكمة مكاسب وتحصين القائم منها، ولمَ لا إضافة بعض جديد، متى تيقّن بإستحالة أو صعوبة تعطيل «الديل» الرئاسي.
تناهى الى قيادة التيار الوطني الحر أن بري إنتقل من السلة الكاملة الى نصف سلة، قوامها قانون إنتخاب (ومعه بالتأكيد رئاسة المجلس في الانتخابات النيابية العتيدة)، إستحداث وزارة للنفط من حصته الى جانب وزارة الطاقة، تكونان بمثابة العين على أي إتفاق يَعتقد أنه أُبرم أو هو على وشك الإبرام بين التيار الوطني الحر و«المستقبل»، ووزارة المالية (ما يُعرف إصطلاحاً بالتوقيع الشيعي أو التوقيع الرابع).
لا تعلّق قيادة التيار على هذه المعطيات. من الصعب إستنطاقها في كل ما يتعلّق بالمسار الرئاسي. فالكتمان أفضل أدوات الشغل في الوقت الراهن. كان من المفترض أن يطل العماد ميشال عون تلفزيونياً مساء الثلاثاء، لكنه، على ما بدا، فضّل العودة الى الصمت الذي يلتزمه منذ أشهر. ربما الكلام المباح الوحيد سيكون في 15 تشرين الأول، أكان إحتفالاً بالرئاسة إن أتت، أو إبلاغاً بالآتي إن بقيت متعثّرة.
يُستشفّ من بين هضاب الكتمان وكثبانه، ان قيادة التيار مرتاحة للمسار الرئاسي الراهن، ولنوايا القيّمين عليه. هي أقرب الى يقين أن هذا المسار محليّ بإمتياز، رغم كل ما يقال عن العوامل الخارجية، وخصوصاً القريبة منها. هي كذلك لا تعير إهتماماً لمعظم ما يتوافد اليها ويتوافر لها من معلومات وتحليلات ومعطيات عن جبهة ثلاثية معارضة وعن كمائن تعدّ لنسف المسار الرئاسي. المهم راهناً التوازن السياسي الذي لا يلغي الإستعدادات القائمة والمستمرة لـ 15 تشرين الأول ولما بعده، في حالي الفوز الرئاسي او التعثر. والاجتماعات التحضيرية مستمرة على مستوى هيئات الأقضية والمناطق لإنجاز خريطة الطريق.
إذا ما قيل لقيادة التيار ان ثمة مِن الخصوم مَن يعوّل على ان يكون التحرك الشعبي في 15 تشرين وما بعده هو الاداة التي ستستخدم لإسقاط «الديل» الرئاسي، بحيث يُسقط التيار رئاسة زعيمه، تجيب: كل الإحتمالات في حسباننا، الأساس ان لا تهاون بعد اليوم مع المتربّصين بالحقوق، مع كل من يريد تأبيد حالات إقتناص مكاسب المسيحيين وحقوقهم المشروعة، الأقربين قبل الأبعدين!