لا تصل النساء إلى المراكز القيادية بسهولة من حول العالم، إذ يصطدمن بالعقلية الذكورية التي تتوق إلى أن تراهنّ مرؤوساتٍ لا رئيسات. فالسقف الزجاجي الذي تمَسْمَر فوق رؤوسهن معزّزاً متانته خلال مئات السنوات الماضية لن يُزاح إلّا بضغوط النساء وبوعيٍ اجتماعي ينقل المرأة من رتبة الجندي المجهول والمناضلة بصمت في المجتمع والبيت والعمل، إلى علياء مراكز القرار الرفيعة، ويتطلّب ذلك صبراً وحنكةً وقوة إرادة من قبلها.
تتعرّض المرأة في أماكن العمل وخصوصاً في المناصب الإدارية لتحدّيات جمّة إذ عليها بسْط أسلوبها الخاص في الإدارة والنجاح، كما يُنتظر منها الاهتمامُ بعائلتها وشريكها، دون أن تهمل الـ»لوك» طبعاً، لأنّ المظهر الأنيق المرتّب أحد أبرز مفاتيح الانطباع الجيد في نفوس الآخرين.
نقد لاذع
دراسات كثيرة تناولت وضع النساء في أماكن العمل لا سيما في المناصب الإدارية، كان آخرها دراسة سلّطت الضوء على ميل النساء إلى عدم دعم بعضهن مهنياً. وكشفت هذه الدراسة التي قام بها باحثون من جامعة هارفارد الأميركية أنّ النساء فيما بينهن يمكن أن يصعّبن حياة بعضهن بشكل كبير في أماكن العمل.
وحاولت الدراسة إثبات نظرية «متلازمة ملكة النحل»، وهو مصطلح ظهر خلال سبعينات القرن الماضي ويشير إلى أنّ الموظفات يتعاملن بنقد شديد مع الزميلات الأقل منهن درجةً في العمل، لأنهن لا يتقبّلن المنافسة كما هو الحال في عالم النحل. وبينما لاقت هذه الدراسة ردودَ أفعال رافضة لنتائجها في الغرب، علّق باحثون، بالإشارة إلى أنّ تعامل الرئيس مع موظفيه الرجال أيضاً، لا يخلو من مبالغة في النقد.
واقع مرير
وبغضّ النظر عن نتائج هذه الدراسة، لا شك أنّ تقدّم النساء مهنياً وسط التحدّيات التي لطالما زرعها الفكر الذكوري في أذهانهن يتطلّب المزيد من الوعي، وخصوصاً في سبيل دعم بعضهن البعض. ويبدو واضحاً أنّ منافسة بعضهن البعض بدل رصّ الصفوف لاختراق المراكز القيادية قد تزيد وضعهنّ السيّئ أساساً سوءاً.
في هذا السياق، تشير دراسات أجرتها رابطة المديرين التنفيذيين في فرنسا عام 2015 أنّ الفروقات على صعيد الراتب بين المرأة والرجل تُرسى منذ دخول كليهما ميدان العمل وهما في العشرينات من العمر ولكنها لا تقلّ مع تقدّمهما في السلم الوظيفي إنما تزيد.
وتؤكّد الأرقام أنّ بالنسبة للخبرة والمرتبة الوظيفية ذاتها تتقاضى المرأة المديرة في فرنسا راتباً يقل بـ 8.5 في المئة عن الرجل. وتصل التراكمات التمييزية بالنسبة للمدراء في عمر الخمسين وما فوق إلى 12.5 في المئة من الفروقات في الراتب لصالح الرجل.
إلى ذلك، تفضح الأرقام مدى قلّة أعداد النساء في المراكز القيادية من حول العالم. ففي فرنسا على سبيل المثال يتبوّأ 14 في المئة من النساء فقط وظائف إدارية عالية، بينما تكشف دراسة أخرى أنّ 61 في المئة من الموظفين يفضلون أن يكونوا تحت إمرة رجل وليس امرأة.
هنّ الأفضل
ولكن على رغم التحدّيات الكبيرة جداً التي تواجهها النساء قبل الوصول إلى المراكز القيادية وخلال تسلّمهن زمام القيادة، هنّ يثبتن كفاءاتهن العالية حين يتمكنّ من خرق التقليد والعادات والموروثات والأفكار التي تدفعهنّ إلى الخضوع بدل المواجهة والتحدّي للوصول.
وتجدر الإشارة إلى أنّ دراسة نرويجية أكدت أنّ النساء أفضل في مواقع القيادة من الرجال، وأنهنّ أكثر فعالية في مراكز المسؤولية. بهدف الوصول إلى مرتبة مدير ومعرفة إدارة الفريق يجب أن يتمتع القائد بعدد من المواصفات، وتأتي الدراسة النرويجية لتثبت أنّ المؤسسات تُخطئ بعدم ترقية النساء وتخسر الكثير.
شملت هذه الدراسة 3000 مدير ومديرة لمراقبة شخصياتهم وردود أفعالهم تجاه المسائل والمواقف الدقيقة. في الكثير من المجالات تفوّقت النساء على الرجال. وقد تمّ الاعترافُ بأنّ النساء أقوى في مجالات أخذ المبادرة، التواصل، القدرة على تقبّل الواقع والتجديد، الدعم، طرق الإدارة وتحديد الأهداف. أمّا المجال الوحيد الذي فاز به الرجال وسجّلوا تقدّماً على النساء كان التوازن العاطفي حيث اعتُبروا أكثرَ قدرة على إدارة الغضب.
ووسط سعي النساء إلى إثبات قدراتهن، واضطرارهن إلى خوض المعارك الشرسة للوصول بينما تُقدَّم المناصب العالية للرجال على طبق من فضة فقط لأنهم رجال، نُذكِّر بقول وزيرة الثقافة الفرنسية الراحلة فرانسواز جيرو عندما اعتبرت أنّ «المرأة ستصبح فعلاً مساوية للرجل حين سيتمّ تعيين نساء غير مؤهّلات في مناصب مهمة».