من يظن نفسه هذا المواطن اللبناني الذي يحلم بالعيش في بلد يشبه الدول المتحضرة الاوروبية والأميركية. في الأساس، أينه من مواطنية أهل اوروبا وأميركا؟ طول عمره يقبّل اليد التي تتحكم برقبته ويدعو عليها بالكسر. ما الذي أصابه حتى يطالب اليوم بإسقاط النظام، وكأنه استفاق وانتبه الى أن له كرامة وحقوقاً.
ليتواضع وينظر الى سوريا والعراق واليمن وليبيا والصومال ويشكر ربه لأن حكامه لا يزالون يرممون الجدار الذي يسعى الى هدمه، ويسمحون له بأن يتظاهر قدر ما يشاء. لكن إذا بالغ في نغمة المطالب هذه، فذنبه على جنبه.
جَحودٌ هذا اللبناني ولا يعرف حده. حتى أنه يريد الحصول على راتبه كاملاً كل آخر شهر. طلع طلعته وكثَّر. لم يعجبه قول حاكم مصرف لبنان انه سيجري تحقيقاً حول المعلومات المتداولة عن تحويل أموالٍ بمليارات الدولارات إلى الخارج. صحيح أن أي دولار واحد لا يخرج من لبنان إلا بقرار من إدارة المصرف وعبر مصرف لبنان والبنوك الأميركية الوسيطة، بالتالي لا حاجة الى تحقيق. لكن الصحيح أيضاً ان الحاكم ليس حاكماً بأمره وحده. عليه ان يُشْبِعَ أفواهاً وأرانب من أصحاب النفوذ والجوع العتيق ومدّعي العفة ممن ينهبون ولا يساءلون. وإلا لا يبقى في منصبه.
والرجل لا يدعي علم الغيب، لذا أجاب لدى سؤاله عن سعر صرف الليرة مقابل الدولار “ما حدا بيعرف”. وكان سبقه رئيس الحكومة الراحل عمر كرامي الى الإجابة ذاتها، معتبراً ان الله هو “من يستطيع فعل شيء للبنانيين” مقابل انفجار سعر الدولار الذي نسف حكومته.
فليقتنع هذا اللبناني المغرور بقدره ويخفف دلعه ويعلم أن كل تحركاته لن يؤتي ثماراً يرجوها. وكما تُرِكَ في المرة الأولى للوصاية الأسدية تتولى أمره، عليه اليوم أيضاً، أن يترك لوريث هذه الوصاية ان يتابع المهمة، والا الفوضى.
وليقتنع أيضاً أن ما يعانيه هو أكبر خدمة يمكن لسلطة أن تقدمها الى مواطنيها، فهي تريد لهم ان يخشوشنوا لأن النعم لا تدوم. خائفة عليه هذه السلطة من جرعة الرفاهية الزائدة التي كان ينعم بها، فهي تضر بصحته وتقضي على طموحه وتحول دون تطوير قدراته.
وقِحٌ هذا اللبناني الذي يرفض التزام الطبقة السياسية بالدستور في تشكيل الحكومة، وفي منح الثقة لها عبر أكثريتها الموصوفة. ويتوقف عند نهب هذه الطبقة الشعب وهدرها كرامته. وتعييره ببعض العبارات الطائفية، يهتف بها “زعران” تمّ دسهم من طائفة او أخرى، كما قال أحد المتظاهرين.
ليؤمن هذا اللبناني المتطلب بأن الدولة تشتغل شغلها، وليثق أنها تسعى الى خيره حتى لو أوصلته الى شظف العيش… فالحكمة تقضي بأن يتوقف عن هدم الجدار الذي يحول دون حصوله على حقوقه كمواطن. وليترك إدارة شؤونه الى “حزب الله”، فيرتاح ويريح.
لذا عليه أن يعطي فرصة للرئيس المكلف وإلا سينهار الجدار على رأسه وحده. ذلك أن حكم الأقوياء تحت مظلة شبه دولة أرحم من حكمهم له في “لعبة الفوضى”.