من جنوب غزة إلى جنوب لبنان تقف المنطقة على فوهة بركان متفجّر، يترقب كل من حوله لحظة اطلاق الحمم النيرانية على المواقع المحيطة به، والجميع يُحذّر من تداعيات الكتل النارية المتدحرجة على البشر والحجر.
التسخين المضطرد للجبهة الجنوبية على الحدود اللبنانية، عبر التصعيد المستمر في نوعية الأسلحة التي تدخل الميدان، والتوغل المتزايد في إستهداف مواقع وأهداف في عمق الجانبين، يُنذر بأن «قواعد الإشتباك» على وشك السقوط، علي إيقاع طبول الحرب في تل أبيب، التي يبحث رئيس حكومتها عن «نصر عسكري ما» في الجنوب اللبناني، بعدما فشلت حربه على غزة في تحقيق أهدافها المعلنة، وخاصة بالنسبة للوصول إلى قادة حماس وتحرير الرهائن، رغم مرور أربعة أشهر ونيّف على هذه الحرب، والخسائر الفادحة في الرجال والعتاد التي مُنيَ بها الجيش الإسرائيلي.
الضغوط الأميركية على حكومة نتانياهو لعدم فتح جبهة الجنوب اللبناني، بدأت تتلاشى مع ظهور الخلافات الى العلن، حول مشروع «صفقة باريس» لهدنة جديدة وإطلاق الأسرى والمعتقلين، من جهة، ومعارضة واشنطن لنقل المعارك إلى رفح على الحدود المصرية، من جهة أخرى، الأمر الذي يُتيح لنتانياهو فرصة التملّص من تعهداته السابقة تجاه الإدارة الأميركية.
المراقب لتطورات العمليات اليومية الإسرائيلية في الجنوب، يلاحظ أن آلة حرب العدو تقوم بتدمير ممنهج للمنازل والمحلات والساحات في قرى الشريط الحدودي الأمامي، بشكل لا تعود صالحة للترميم والسكن بسرعة، كما كان يحصل سابقاً. كما أن إستعمال القنابل الفوسفورية لحرق المزروعات والحقول، يؤدي إلى تسميم الأرض، وجعلها غير صالحة للزراعة الفورية، بل تتطلب إستصلاحات ومعالجات قد تستغرق خمسة عشر سنة، حسب خبراء زراعيين.
يُضاف إلى ذلك، أن تكرار العمليات الجوية في شمالي الليطاني، آخرها عمليتي النبطية وجدرا، بغض النظر عن تحقيق أهدافها، تُعتبر رسائل غير مباشرة لمن يعنيهم الأمر، عن مدى الإستعداد الإسرائيلي لنقل المواجهة إلى الداخل، والقيام بعمليات قصف مختارة لضرب أهداف حساسة، مثل جريمة إغتيال القائد في حماس صالح العروري في الضاحية، ومحاولة إغتيال أحد الكوادر العسكرية لحماس باسل صالح في بلدة جدرا، في إقليم الخروب.
ورغم التصعيد الإسرائيلي المستمر، مازال حزب الله يُحافظ على ضبط النفس، ويشدّ على الجراح التي أصابته بسقوط مايتي شهيد حتى الآن، ويكتفي بالرد على المواقع العسكرية، وأماكن تجمع الجنود الإسرائيليين، لتفويت الفرصة على نتانياهو بجر الحزب إلى حرب بالتوقيت الإسرائيلي.
غير أن الوفود الأجنبية التي تزور لبنان في هذه الفترة، تكاد تحمل رسالة واحدة، تصب في التحذير المتكرر من نوايا إسرائيلية مبيتة تجاه لبنان، مما يرفع منسوب إحتمالات تدهور الوضع جنوب لبنان، أو على الأقل تنفيذ غارات على أهداف نوعية وإستراتيجية.
*********
أما الوضع جنوب القطاع، وفي رفح بالذات، على تخوم الحدود المصرية، فيبدو أكثر خطراً، وقابلاً للإشتعال بسرعة، بعد التهديدات الإسرائيلية في إجتياح رفح، حيث الإكتظاظ البشري لمليون ونصف المليون نازح من مختلف مدن القطاع، والإستعدادات المصرية العسكرية، لمنع إستخدام محور فيلادلفيا في الهجوم المنتظر.
التصعيد الإسرائيلي في رفح، ورفض الموافقة على «صفقة باريس»، سيؤدي إلى تفاقم التوتر في المنطقة، وسقوط المزيد من الضحايا بين المدنيين في غزة، ويكرّس إستمرار الدولة العبرية في حرب الإبادة ضد الفلسطينيين، رغم قرار محكمة العدل الدولية، وبالتالي سيعرض السلام في المنطقة إلى أخطار جمّة، خاصة مع تكرار الهجمات على القواعد الأميركية في المنطقة، والردود الأميركية العنيفة عليها، وإستمرار التعثر في التجارة الدولية نتيجة التوتر السائد في البحر الأحمر.
نتانياهو وحكومة اليمين المتطرف في تل أبيب، تُعرّض الأمن والإستقرار للخطر، أمام أعين العالم، وعلى مسمع الحلفاء، وخاصة واشنطن، ومع ذلك لم يحصل أي تحرك دولي، بمستوى تلك الأخطار، لوضع حد للهستيريا الإسرائيلية، وما يمكن أن تقوم به من مغامرات عسكرية على النسق الهتلري، والإمعان في إرتكاب الجرائم ضد الشعب الفلسطيني في غزة والضفة، وتوسيع رقعة الحرب بإشعال الجبهة مع الحدود اللبنانية.
وفي ذروة الحملة الإسرائيلية على بايدن وإدارته، يستعد الكونغرس الأميركي لتقديم مساعدة جديدة لإسرائيل تبلغ قيمتها ١٧ مليار دولار، ليتجاوز حجم المساعدات الأميركية الثلاثين مليار دولار منذ بدء الحرب على غزة، عوض تخفيف المساعدات للجم الإندفاعة العسكرية المتهورة.
فهل يرتكب نتانياهو حماقة جديدة، ويخوض حرب «الجنوبَيْن» اللبناني والفلسطيني، ويُشعل المنطقة، ويُعرّض الإستقرار العالمي للخطر؟