Site icon IMLebanon

الجيش اللبناني وحزب الله في حرب الجرود: الفارق في القدرات والانجازات والأهداف

 باحث في الشؤون الاستراتيجية.

أظهرت العمليات العسكرية في جرود عرسال والقاع ورأس بعلبك خلال الأسابيع الماضية وما رافقها من عمليات عسكرية على المقلب الآخر من الحدود اللبنانية وتحديدا في القلمون الغربي بالاضافة الى المفاوضات التي أجراها حزب الله مع تنظيمات، معروفة لبنانيا وعالميا على أنها ارهابية، الفارق الكبير بين تصرف جيش نظامي يعمل ضمن مفهوم الدولة وبين قوات غير نظامية تعمل ضمن أهداف التنظيم المرتبطة بمصالح قوى اقليمية. ففي حين خاض الجيش اللبناني معركة صعبة بدرجة عالية من الاحتراف تمثلت بسرعة المناورة وكثافة النيران ودقة الاصابات وضآلة الخسائر عاكسة اصراره على الاستمرار بها حتى انهاء العدو أو استسلامه، خاضها حزب الله وجيش النظام السوري بهدف اجبار هذه المجموعات على الانتقال الى مناطق أخرى في سوريا تخدم مصالح دمشق وطهران.

فلو كان هدف حزب الله وحلفائه فعلا القضاء على عناصر داعش أو النصرة فلماذا يسمح لهم بالانتقال الى مناطق أخرى ليستأنفوا عملياتهم «الارهابية» من أماكن أخرى؟ فهذا الأمر مناف كليا لمبادئ الحرب حيث هدف المواجهة اما القضاء على الخصم تماما أو اجباره على الاستسلام – خاصة اذا ما كان العدو ميليشيا ارهابية أعدمت الأسرى واستهدفت المدنيين. فالقوات العراقية لم تسمح لعناصر داعش في الموصل بأن ينتقلوا بأمان الى منطقة أخرى في العراق أو سوريا، بل قاتلتهم حتى الموت أو الاستسلام. الأمر عينه يحصل بين قوات سوريا الديمقراطية وحلفائها الأميركيين الذين يقاتلون داعش اليوم في الرقة، وقبل ذلك بين قوات المعارضة السورية المدعومة من تركيا عندما قضت على مقاتلي داعش من شمال – شرق حلب.

لقد تصرفت قيادة الجيش بحكمة كبيرة بعدم الموافقة على التنسيق مع حزب الله أو قوات النظام السوري اذ أنها تدرك أن أهدافها وطريقة عملها مختلفة كليا عن الطرف الآخر. فهي عمدت الى مواجهة ارهابيي داعش بشراسة وحنكة كبيرتين حيث تقدمت وحداتها بمناورات التفافية سريعة قطعت أوصال المناطق التي كانوا يسيطرون عليها بسرعة كبيرة وأجبرتهم على الانسحاب تحت وطأة نيران كثيفة شملت صواريخ وقذائف مدفعية موجهة ودقيقة. كما عمدت الى اعادة تجميع صفوفها وتطهير المناطق المحررة بسرعة لتنطلق مجددا نحو مرحلة جديدة من عملياتها ضمن خطة محبكة بامتياز. ورفضت القيادة التواصل مع الارهابيين ووضعت أمامها خيار امكانية السماح لهم بالاستسلام اذا ما أفصحوا عن مصير الجنود التسعة الأسرى. أما وقد دخل حزب الله على الخط وتشابكت الأمور السياسية الداخلية فقد وافقت قيادة الجيش على أن تفتح باب التفاوض على أن تكون عبر مدير عام الأمن العام اللواء عباس ابراهيم من دون التنسيق مع النظام السوري أو حزب الله.

أهم انجازات الجيش هي انتشار قواته على طول الحدود الشرقية الأمر الذي كانت ترفض سوريا السماح بحصوله لعقود من الزمن. فلقد رفض النظام السوري عدة مبادرات ومطالب لبنانية بترسيم هذه الحدود من أجل الاستمرار باستباحة هذه المنطقة التي كانت تتجمع بها ميليشيات فلسطينية مدعومة من النظام السوري. أما اليوم فوحدات الجيش اللبناني تستطيع تثيبت نقاط لها على طول الحدود حسب الخرائط اللبنانية. كما أن الجيش اللبناني أظهر استيعابه للأسلحة الذكية والحديثة التي استلمها مؤخرا عبر المساعدات الأميركية وقدرته على مواجهة هذه المجموعات الارهابية وحده ومن دون اسناد أو تنسيق مع أي جهة أخرى من داخل أو خارج لبنان. وكان لافتا المؤتمرات الصحفية اليومية لقيادة الجيش حيث عرضت انجازاتها بشفافية تامة ونفت بسرعة الاشاعات التي تحدثت عن تنسيق مع حزب الله والنظام السوري ووصفت صورا بهذا الخصوص على أنها مفبركة ومركبة.

السماح لعناصر داعش بالانتقال الى شرق سوريا سيخدم هدفين للنظام السوري وحليفه الايراني. الهدف الأول أنه سيزيد من صعوبة المعركة على أميركا وحلفائها الذين يحاولون الامتداد من الرقة باتجاه البوكمال في دير الزور. ان عدد المقاتلين من أكراد وعشائر عربية في التحالف المدعوم أميركيا ليس بكبير وقد لا يستطيع طرد الأعداد الكبيرة لداعش المنتشرة في محيط مدينة الميادين والبوكمال والبادية السورية. وعليه، فان الهدف الثاني هو اعطاء المبرر لقوات التحالف الروسي – الايراني بالضغط باتجاه السيطرة على أماكن تواجد داعش شرق سوريا وربط القوات المدعومة ايرانيا من جهة العراق مع حليفاتها من الجانب السوري، مما سيؤدي الى اكتمال الجسر البري الذي تعمل طهران على بنائه بين أراضيها والبحر المتوسط. أما فيما يخص السماح لمقاتلي النصرة بالانتقال الى ادلب، فهو من أجل تمكين هذا التنظيم الارهابي من تعزيز سيطرته على هذه المحافظة واضعاف قوات الجيش السوري الحر هناك مما سيسهل الأمر على المحور الروسي – الايراني بشن هجوم كبير على ادلب من دون ممانعة دولية، كما حدث سابقا في حلب.

ان ظهور تنظيمي النصرة وداعش أدى الى انتهاء الثورة السورية ومكن النظام من استجلاب تدخل عسكري ايراني – روسي أنقذه من الانهيار. واليوم، يبدو أنه انتفى المبرر لاستمرار وجود هذين التنظيمين على الحدود اللبنانية، وعليه سنحت الظروف لنقل هذه المجموعات عبر أراضي سيطرة النظام الى أماكن تخدم أهدافه الاستراتيجية. لكن الأمر بالنسبة للبنان، جيشا وشعبا، أكبر من ذلك. فهذه مجموعات قتلت جنودا أسرى بدم بارد وأرسلت انتحارييها لقتل العشرات من المدنيين الأبرياء، واستشهد العديد في عمليات طردهم من الجرود. التفاوض معهم والسماح لهم بالمغادرة بسلام هو خيانة لدم كل الذين استشهدوا على أيدي هؤلاء القتلة. كانت قيادة الجيش حكيمة بمواقفها فيما يخص هذه المجموعات الارهابية، على أمل أن تعزز الحكومة اللبنانية من دعمها لها وتزويدها بما تحتاجه وتحميها في الوقت ذاته من أي تداعيات قد تأتي من جانب النظام السوري وحلفائه نتيجة مواقفها (قيادة الجيش) الأخيرة.