عندما تبتلي أي دولة، بسلطة من ثلاث رئاسات مثل لبنان، رئاسة الجمهورية ورئاسة مجلس النواب ورئاسة مجلس الوزراء، وتكون هذه الرئاسات متناحرة ومتحاربة، يتحول عندها الدستور الى اله من تمر، تعبده اذا كان في مصلحتها وتأكله اذا كان في مصلحة غيرها، أليس هذا هو وضع السلطة في لبنان، وهي التي حوّلت الدستور الى اله من تمر تستخدمه لمصالحها وليس لمصلحة الشعب، فأصبح لبنان في مهب الريح، والشعب بين الاكثر فقرا وعوزا بين شعوب العالم.
يقول الأنجيل «البيت الذي ينقسم على نفسه يخرب»، هذه السلطة انقسمت على نفسها فخرب لبنان، مع أن الدستور رغم الشوائب التي ظهرت في الممارسة فتح نافذة للحل يمكن العبور منها، اذا حسنت النيات، لحلً معضلة الحكومة المستقيلة من الحكم ومن خدمة الشعب، وفي هذه الحالة اذكر للمرة الثانية بنص البند الثالث من المادة 69 من الدستور التي تنص على ما يأتي «عند استقالة الحكومة أو اعتبارها مستقيلة، يصبح مجلس النواب حكما في دورة انعقاد استثنائية حتى تأليف حكومة جديدة وتنال الثقة».
صحيح أن الدستور لم يحدد مهام المجلس النيابي، وهذا من ضمن الشوائب في دستور الطائف، ولكن يمكن للرئاسات الثلاث أن تستخدم الدستور لحل مشكلة معينة مثل مشكلة توقيع مجلس الوزراء على تعديل المرسوم رقم 6433 لحفظ حق لبنان في ترسيم حدوده البحرية، بعدما رفض رئيس الجمهورية توقيعه، ورفض رئيس الحكومة عقد جلسة لمجلس الوزراء، ما يهدد حق لبنان بمساحة كبيرة سوف تبتلعها «اسرائيل»، واذا كان دافيد هيل وعد السلطة بتعيين خبراء للنظر في مطلب لبنان اعادة ترسيم الحدود البحرية، فليس هناك ما يمنع أن يتبنوا الموقف الاسرائيلي.
****
من جهة ثانية، هناك كارثة جديدة متوقعة في حال صدقت ألاخبار التي تفيد بأن البنك المركزي، على الرغم مما سببه الدعم المتفلّت غير المنظم وغير العادل ولا يؤمن مصلحة الفقراء، بدأ باستعمال ما تبقى من أموال في الاحتياطي الالزامي للمصارف، ومن دون شك ستكون هذه الخطوة الضربة التي سوف تقصم ظهر الفقراء المعدمين وظهر من يملك مبالغ متواضعة في المصارف، وبذلك تذوب نهائيا الطبقة المتوسطة التي كانت تميز الوضع الاجتماعي في لبنان.