منذ ولادة «لبنان الكبير» في عشرينات القرن الماضي، لم تفارق الأزمات هذا الكيان، والتي كانت موزعة بين «الهوية» والدور والنظام وما الى ذلك، ولم تخل في مرات عديدة من حروب داخلية، شاء البعض ان يعطيها صفة «حروب الآخرين على أرضنا» دلالة على تبعية الافرقاء اللبنانيين الى الخارج، العربي، الاقليمي والدولي.
مع «اتفاق الطائف» اعتقد عديدون أن لبنان طوى عهد الأزمات.. لكن الوقائع دلت عكس ذلك، وهو ما ان يخلص من أزمة حتى يقع في أزمات، او أزمات أخرى.. من تجلياتها ما نشهده منذ سنوات، وتمثل بعدم اجراء الانتخابات النيابية، بحجة «الظروف الأمنية الاستثنائية» ومصادرة حق اللبنانيين في انتخاب مجلس نيابي جديد، خلاف التمديد الذي حصل لمرتين، بحجة البحث عن قانون جديد للانتخابات ولم يحصل ذلك.. تتداخل الازمة اللبنانية، مع ما يجري في الخارج، من أزمات وحروب على المستوى الاقليمي جراء صراع المحاور الدولية والاقليمية، وفي أكثر من عنوان، من بينها على سبيل المثال لا الحصر، مصلحة الدول في ان تعيد القبض على لبنان، وعدم ترك الأمور تفلت لصالح هذه الدولة او تلك من دول المحاور الاقليمية المتصارعة، ومن بينها أيضاً المخطط الاسرائيلي، الذي لم يغب ساعة واحدة، ويقوم على توفير «حدود آمنة للكيان اليهودي، تقوم على صراعات طائفية ومذهبية واثنية يكون لإسرائيل اليد الطولى فيها..» على ما تقول روزا ايزنبرغ في كتابها «عدو عدوي»..
التطورات، بل الصراعات والحروب الاقليمية، أفسحت في المجال واسعاً أمام ولادة تنظيمات و»جماعات تكفيرية» ترى في العنف والارهاب حاجة ملحة للوصول الى أهدافها.. ولم يكن تدخل «حزب الله» في سوريا، سوى عنوان اضافي لتبرير التدخلات الخارجية، وقد شكلت المعابر على الحدود البرية اللبنانية – لأوقات سابقة – ممرات آمنة للعديد من المسلحين، عبروا الى لبنان الذي يعتبره البعض بأنه «خاصرة رخوة» لفتح جبهة صراعات داخلية كالتي تحصل في العديد من الجوار، لكن ذلك لم ينجح لاعتبارات عديدة، من بينها الحشد الشعبي حول الجيش اللبناني وشبه الاجماع اللبناني على تجنيب لبنان تداعيات ما يجري في الجوار.
وإذا كان «الافرقاء اللبنانيون» في غالبيتهم الساحقة نجحوا في تحصين لبنان – بحدود او بأخرى – في وجه التداعيات الأمنية وساحة مفتوحة أمام الصراعات، فإن ذلك لم يمنع من وجود أزمات وتهديدات، قد تكون تداعياتها لا تقل خطراً عن الحروب الدموية.. وهكذا تتجه الازمة السياسية – الوطنية، بغياب التوافق – أقله حتى الان – على قانون جديد للانتخابات النيابية، الى المزيد من التعقيد، تعبر عنه السيناريوات العديدة التي لا جامع مشتركاً بينها.. فما يكون مقبولاً اليوم قد يصبح مرذولاً يوم غد وما قد يكون مرذولاً قد يصبح مطلوبا وبالحاح اليوم؟!
يتابع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، الاتصالات التي تجري، وهو يكتفي باعلان «ضرورة التوصل الى قانون انتخابي جديد يضمن صحة التمثيل الشعبي ويحقق العدالة والمساواة بين اللبنانيين بلا تمييز.. وهو يعرف ان أسس النظام اللبناني تقوم على الطائفية والمذهبية وما يعرف بـ»الميثاقية» التي لم توفر ضمانة وطنية حقيقية يتساوى فيها الجميع، في الحقوق والواجبات.. وعلى الرغم من النشاط الذي بادر اليه رئيس الحكومة سعد الحريري، والمبادرات عن أنها باتت «قاب قوسين او أدنى» فإن عديدين لازالوا عند قناعاتهم بأنه من السابق لأوانه توقع خرق جوهري يحقق التوافق على قانون الانتخابات، وذلك على رغم التفاؤل الذي يبديه الرئيس الحريري، لاسيما في الأيام القليلة الماضية.. والذي قد يكون مادة أساسية على طاولة مجلس الوزراء الاسبوع المقبل.
يقر الجميع، ان «لبنان في عين العاصفة».. وعديدون يتطلعون الى ما ستكون عليه كلمة الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله مطلع الاسبوع المقبل.. لاسيما وأن الحرب الاميركية – الاسرائيلية المتعددة الصيغ والأوجه على الحزب باتت «أمراً واقعاً» من بينها «العقوبات المالية الاميركية» والتي تهدد لبنان واللبنانيين بأخطار كبيرة، والقصف الاسرائيلي لمواقع في سوريا يقال إنها لـ»حزب الله»، حيث بلغ التنسيق الاميركي – الاسرائيلي حده الأقصى حول مواجهة ما يسمى بـ»التمدد» الايراني في المنطقة.. وقد تعزز هذا التنسيق مع زيارة وزير الاستخبارات الاسرائيلية (إسرائيل كاتس) لواشنطن، حيث تم الاتفاق على تنسيق الخطوات حول مواجهة التمدد الايراني..
لا يجهل «حزب الله» أنه يمر، كما لبنان والمنطقة، بمرحلة دقيقة، وذلك على رغم تسليم واشنطن بأن الحزب امتداد شعبي وجغرافي وازن وشريك في السلطة اللبنانية، في مجلس النواب، كما في الحكومة.. وهي (أي الولايات المتحدة) تدرك خطورة ما يمكن ان تؤول اليه أية مواجهة ميدانية مع «حزب الله»..
يرى عديدون، ان تعثر التوافق في لبنان هو «نتيجة وسبب» في آن، وأن خروج «حزب الله» من سوريا (وهو أمر مستبعد في المدى المنظور) يسهل ولادة الحل السياسي الذي بات على الطاولة.. كما يقال..؟!