Site icon IMLebanon

القرار اللبناني.. شكلاً وأساساً

 

الساحة اللبنانية الغاطسة كلياً في جملة من المشاكل والإشكالات المصيرية، لم يكن ينقصها إلاّ ذلك الإعتداء الإسرائيلي الغاشم على الأراضي اللبنانية، لتزداد به بلّة وبلاء، ولتذكر لبنان واللبنانيين بأنهم يتابعون مسيرتهم نحو الهاوية. رُبَّ قائل بيننا، إنه عدوان إسرائيلي مطمور بالتغطية الأميركية الكاملة وبالتالي، فإن مسؤولية اللبنانيين عنه هي خارج مشيئتهم وبعيدة عن قرارهم، ومعظم أسبابها ومسبباتها ناشئة عن قرار خارجي متحكم بالقرار الوطني لعدد من الدول العربية التي باتت تقاسي الأمرَّين (وفي طليعتها لبنان) نتيجة لهذا التحكم.

 

وهي اليوم في خضم صراعات ذات أحجام هائلة تتكدّس احتقاناتها حيث أماكن الصراع قائمة ومتفاقمة، ونصيب لبنان من أعبائها وأوجاعها واحتمالاتها المتوقعة، واسع الإطارات وبالغ الأثر، ومع كل الإلتهابات التي نشأت في تلك الليلة الليلاء التي هاجمت فيها إسرائيل صلب الضاحية الجنوبية من خلال عدوان مخطط له ومقصود الغايات والنتائج، بالرغم من أن الساحة اللبنانية تخضع لقرارات دولية إلتزم بها لبنان، وفي طليعتها القرار 1701 الذي أوْدَعَ على حدودنا قوات دولية لعبت دورا هاما في حفظ حدودنا الجنوبية من أخطار المنازعات المسلّحة.

 

فإذا بالعدوان الإسرائيلي الأخير، يصطنع أسبابا عدوانية، أدخلتنا بلا شك، في مرحلة مختلفة حافلة بالتحديات الخطيرة، تتراكم فيها مع الظروف الإقتصادية والمعيشية والمالية الصعبة التي يمر بها لبنان في مرحلته المضطربة الحالية، وبعد أن تمكن اللبنانيون من تجاوز بعض من القطوعات والمخاطر والأزمات الخطيرة التي ألهبت الجبل بكل هذا اللهيب الذي طاوله وطاول الوطن معه. وبشق النفس وبجهد جهيد، وبكثير من تبريد إصطناعي أودعت فيه رؤوس كثيرة شديدة الحماوة، أعيدت البلاد إلى مسيرتها الطبيعية، لنفاجأ جميعا بالعدوان الإسرائيلي الأخير على الضاحية، وكأنما من جملة ما هو مقصود منه الإبقاء على لبنان في خضمّ أوجاعه وآلامه.

 

وفي خضم المخاطر التي تواكبه وتواجهه، من هنا كان هذا الإجماع الوطني الشامل على إدانة هذا العدوان بكل مسبباته وغاياته، ولا شك أن اللبنانيين جميعا تجاه هذا التحرش الإسرائيلي بكل تحدياته ومقاصده، ينطلقون في مجابهته من مواقع وطنية صادقة، وإنّ استهداف إسرائيل للبنان أرضاً وشعباً ومؤسسات، يدخل في إطار الواجب الوطني الثابت والمؤكد لدى جميع اللبنانين، إلاّ أننا نتوقف عند واقع مؤسف، نرى فيه القرار الوطني القيادي في موقعين وفي دولتين حائزتين في الواقع، على استقلال كلّ منهما عن الأخرى، ولئن كانت القرارات كلها يوجب الوضع الوطني السليم أن تكون صادرة عن سلطة واحدة هي سلطة الدولة الشرعية ممثلة برؤسائها وحكومتها ومسؤوليها التقريريين والتنفيذيين، ولئن كان شأنها الدفاعي يقتضي أن يكون نابعا ومنفذا ومتوجبا على جيشها الوطني وقواها الأمنية المختلفة.

 

فإن وضعنا في لبنان هو مع الأسف، مخالف لكل الأوضاع الرسمية والسلطوية المنفذة في جميع الدول ذات الطابع الدستوري والديمقراطي والحضاري المتقدم، وبالتالي من غير الجائز على الإطلاق ان يكون سلاح الدولة في عهدة دويلة، تنزع عنها في ما تنزعه من سلطات قرارات الحرب والسلم. فقرار الحرب له مقوماته وله نتائجه وله تكاليفه على صعيد المواطنين وأرواحهم وممتلكاتهم ومصير بلادهم. وكائنا ما كانت الأسباب هو قرار لا بد أن يكون نابعا عن سلطة منبثقة من إرادة وقرار من الشعب بكل جهاته وفئاته، لا أن نستفيق ذات ليلة ليلاء من العام 2006، لنجد القيامة وقد قامت في البلاد كلها والخراب والدمار طاولها بأبنائها وعمرانها ومؤسساتها، ولولا أن عددا من البلاد العربية الشقيقة قد هبّ لنجدتنا ولاعادة العمران إلى ما خربته حرب قيل فيها بعد أن اتضحت آثارها ونتائجها.

 

لو كنت أعلم. الآن لا أحد يحق له أن يقول: لو كنت أعلم، فنحن جميعا على يقين من قدرة الممانعين على إلحاق الأذى بإسرائيل، لكن اليقين نفسه يدفعنا إلى أخذ العظة مما سلف من تجارب، فالدمار سيكون وقعه متبادلا، والموت والتدمير والخراب تفرضه الحروب في جهتيها، كيف لنا أن نقبل بحرب لا تبقي ولا تذر وهي حرب تنشأ وتنتشر بالنتيجة لمصلحة الصراعات البعيدة عن اللبنانيين وعن صراعات ناتجة عن مصالح متحاربة متلاطمة دون أن ننسى أن نجدة أخوية تحط علينا من دول شقيقة في العالم العربي قد باتت بعيدة الإحتمال لأسباب لا يجهلها أحد، وأن نجدة من إيران قد باتت غير متوقعة على الإطلاق من بلاد تنتظر من ينجدها على الصعيد المادي والإقتصادي، وأن اهتماما جديا وثابتا بالوضع اللبناني قد بات مشروطا ومتحكما بأصوله وفصوله المتردّدة وبالتالي فإن إعمار ما يمكن أن يكون قد تهدم سينتظر طويلا، ومعه ملايين اللبنانيين الذين تعودوا على الإنتظار طويل الأمد. نقول ذلك كله على سبيل التحسب، ذلك أن مسرى الأحداث يكاد أن يصبّ على أن ما حصل في تلك الليلة الليلاء، هو قيد الجهود اللاجمة وقيد الإحتواءات مختلفة المصادر، الأمر الذي قد يبعث بعض الإطمئنان في نفوس الناس حيثما كانوا في هذا البلد المنكوب.