أُبرم إتفاق سياسي نجم عنه رئيس حكومة مكلّف، ندعو له بالتوفيق والنجاح في هذه المهمة الصعبة. لكن، لا نستطيع ولا نريد أن نُهنّئ، لا السلطة السياسية المسؤولة المباشرة عمّا وصلنا إليه إقتصادياً، فضلاً عن الإنهيار والإنحدار بأوضاعنا المعيشية والإقتصادية، ولا نستطيع أن نُهنّئ الشعب اللبناني الذي يدفع ثمن هذا الإنهيار يوماً بعد يوم.
نذكّر بصوت عالٍ، أنّ هذه السلطة عوّدتنا أن تحجب وتأخذ، من خلال إدارتها الفاسدة، الحقوق البديهية والإنسانية للشعب اللبناني، ومن ثم تقوم برد بعض هذه الحقوق بعد أشهر أو حتى بعد سنين عدة. ونحن كمواطنين، علينا أن نُصفّق ونهنّئ ونُبارك من أجل هذه الإنجازات الوهمية.
على سبيل المثال، هذ السلطة وضعتنا سنوات تحت رحمة جراثيم النفايات، ثم بسحر ساحر وبإتفاق سياسي إختفت المشكلة، وتمّت إزالة الزبالة من الأفكار، كما من الطرق والشوارع، في العاصمة والمناطق.
هذه السلطة نفسها وقفت متفرّجة أمام إحتراق غاباتنا وبيوتنا من دون أن تتحرّك، وعندما أردنا أن نُطفئ هذه الحرائق وجدنا الفساد وصل إلى المطافئ التي لم تتمّ صيانتها، ولم تكن مجهّزة، ولم نستطع أن نُطفئ هذه الغابات من دون مساعدة الخارج، لا سيما اليونان وقبرص (الدولتان المفلستان) بالإضافة إلى اليد الإلهية وهطول الأمطار. ونحن علينا أن نبارك ونُهنّئ ونُصفّق لهذه السلطة؟
نذكّر أيضاً، أنّ هذه السلطة السياسية نفسها وضعتنا في فراغات في السلطات العليا التشريعية والتنفيذية (بلا إنتخابات نيابية ولا تأليف حكومة)، وتجمّدت البلاد، وإنهار الإقتصاد ومعه البلد.
كلا، لن نُهنّئهم ولن نُصفّق لأحد، لكن نحن جاهزون أن نكون متعاونين، وفي الوقت عينه أن نمدّ اليد لمساعدة بلدنا وإقتصادنا، من خلال الإستراتيجيات والمشاريع والتطبيق والملاحقة. من المؤكّد اننا لا نستطيع أن نُهنّئ الشعب اللبناني، الذي يقف على أبواب المستشفيات، ولا يستطيع أن يحصل منها حتى على دواء، فيما هذه المستشفيات تفتقد للأدوية والمعدات الطبية وصيانتها.
لن نُهنّئ الشعب اللبناني الذي بات يفتقد الى الجامعات ومدارس تحتضن الطلاب والتلاميذ، لأنّه لم يعد في مقدورها الإستمرارية.
كيف نستطيع أن نُهنّئ الشعب اللبناني والعائلات اللبنانية التي باتت تعجز عن توفير أدنى متطلبات العيش لأولادهم وعائلاتهم؟ وكيف نستطيع أن نُهنّئ الرياديين، فيما قسم كبير من الشركات أفلس، والقسم الآخر على شفير الإنهيار؟
رسالتي اليوم إلى السلطة التنفيذية التي تتمّ محاصصتها وتجزئتها، ولمن صوّت مَع او ضدّ التكليف: الإنهيار اليوم الذي وصلنا إليه أنتم مسؤولون عنه، وأنتم أوصلتمونا اليه، وربما أنكم جزء من الحل، اذا أردتم تحمّل المسؤولية.
مَن صوّت مع التكليف، من واجبه أن يُسهّل تأليف الحكومة، وأيضاً أن يدعم المشاريع الحقيقية التي يحتاجها لبنان. ومَن صوّت ضد التكليف عليه أن يُقدّم مشاريع معاكسة، تُثبت جدواها لمنفعة البلد وشعبه وإقتصاده. نطالب بالمنافسة على المشاريع والرؤية، وليس على المكاسب والحصص والمقاعد.
إستراتيجيتنا واضحة حيال الفريق التنفيذي الجديد، وهي أن يتمّ العمل بعكس ما تمّ تنفيذه في السنوات الأخيرة، حيث يُمكننا في هذه الحال أن نُوقف الإنهيار والإفلاس، ونستعيد بناء إقتصادنا وبلادنا.
رسالتي اليوم من القلب، بأنّ كل ما تمّ سابقاً يجب تغييره، كي نستعيد الثقة بالإقتصاد اللبناني، وذلك كالآتي:
أولاً: ما سُمّي بالديمقراطية التوافقية، وهي أسطورة مضحكة مبكية يستحيل تنفيذها، ينبغي تصحيحها نحو الديمقراطية الحقيقية، بمعنى أن نسير مع التصويت والأكثرية تحكم. من جهة أُخرى، بدلاً من إرسال مناصريكم إلى الطرق والشوارع من أجل المناداة بالشعارات الحزبية والمآرب والمصالح الضيّقة، دعوهم إلى العمل من أجل إعادة إعمار بلادهم والعيش المشترك بإحترام ومحبة.
ثانياً: لن نستطيع أن نخرج من الأزمة الراهنة من دون الدعم الدولي، وخصوصاً من خلال صندوق النقد الدولي. نقطة الإنطلاق هي إعطاؤه على الأقل الأرقام الحقيقية من دون تضارب أو تناقض بين السلطتين التنفيذية والتشريعية والقطاع الخاص. علينا أن نُفاوض صندوق النقد الدولي بمشروع متكامل ومتجانس، لا بهدف التسوّل، بل من خلال تقديم المشروع الإنمائي المنوي تنفيذه والجدوى منه.
في هذا السياق، إنعقد أكبر مؤتمر للبنان في العام 2018 هو مؤتمر «سيدر» في العاصمة الفرنسية باريس، الذي عرض الحقائق وطالب بمشاريع حقيقية وواقعية، مع دفتر شروط، وملاحقة وتدقيق داخلي وخارجي. حتى هذه اللحظة لم يتقدّم أي مشروع لمؤتمر «سيدر».
ثالثاً: المغتربون اللبنانيون: لقد طُعن هؤلاء للمرة الأولى، عندما أُجبروا على ترك بلدهم الأم والهجرة منه، وأن يستوطنوا في بلدان الخارج، ويبدأوا بناء حياتهم من الصفر. وقد نجحوا في تحقيق أهدافهم، وساهموا في إزدهار البلدان التي حضنتهم، إقتصادياً وإجتماعياً.
ثم طُعن المغتربون مرة أخرى عندما هُدرت وسُرقت أموالهم من قِبل الدولة اللبنانية. وحدها الدولة تتحمّل مسؤولية ما حصل مع المغتربين اللبنانيين ومع المواطنين المقيمين أيضاً. لذا عندما نُنادي بعودة المغتربين، علينا أولاً أن نتصالح مع الإغتراب، وأن نُصحّح الأخطاء، وأن نُساعدهم في إعادة بناء لبنان، وذلك من خلال توفير الثقة مجدداً.
رابعاً: القطاع الخاص اللبناني: هذا القطاع مبني على القطاعات المنتجة. لقد ساهمت الدولة بسياساتها الخاطئة في إيقاف نشاطات الفنادق والمطاعم، كما جمّدت الدولة القطاع الصناعي المنتج، في ظلّ عدم إستطاعة الصناعيين، إستيراد المواد الأولية الضرورية للإنتاج. بدوره، القطاع التجاري الذي ورثناه عن أجدادنا الفينيقيين منذ آلاف السنين، بات عاجزاً عن الإستمرار في ظلّ عدم قدرته على تمويل تجارته الإنسانية (أدوية وقمح ومحروقات). كذلك الأمر بالنسبة إلى القطاع الزراعي الذي يفتقد الى المواد الأولية للزراعة وريها بالمياه النظيفة.
في المحصّلة، علينا أن نعمل يداً بيد من أجل تشجيع طاقاتنا الإقتصادية والإنمائية، إذ لدينا الأدمغة المنتجة، ولدينا الحلول. لكن في الوقت عينه، لقد خسرنا الثقة بالطبقة السياسية التي تُكرّر نفسها بنفسها. لكن من جهتنا، علينا أن نُطبّق الديمقراطية الحقيقية الموجود في لبنان، وأن نمضي إلى الأمام.
نعم لدينا الثقة بأنفسنا وأرضنا وشركاتنا، لكن خسرنا الثقة بالقطاع العام. إننا في سفينة واحدة إذا غرقت نغرق جميعنا. نحن لا نقبل الفشل، وقد واجهنا أكبر المشاكل الإقتصادية ونجحنا. مشكلتنا الحقيقية داخلية وليست خارجية – دولية، وعلينا أن نُناضل من أجل أولادنا بغية نجاح شركاتنا وإقتصادنا وبلادنا.