IMLebanon

“القوات” من الشارع إلى الصدارة المسيحية… والعبرة في الرئاسة!

 

يطوي العام 2022 أحداثه التي لم تكن على قدر طموحات الشعب اللبناني، لكن المفارقة أنّ الإستحقاقات الإنتخابية لم تقلب الموازين الداخلية بشكل كبير ولم تؤسس لمرحلة جديدة يبدأ معها مسار التغيير. كان رئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع أكثر المراهنين على الإنتخابات النيابية لعلها تبدّل التوازنات، لكن النتيجة أتت جيدة من جهة لكن تشتت المعارضة جعلها أكثر سوءاً من جهة أخرى.

 

لحظة اندلاع ثورة 17 تشرين 2019، اهتزّت الطبقة السياسية الحاكمة، فسارع الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله إلى «شدّشدة» وضعية الحلفاء ودعمهم لكي يقفوا على أرجلهم رافضاً الدعوات لإستقالة حكومة الرئيس سعد الحريري، لكن عندما دعا جعجع في اليوم التالي إلى مساندة «الثوار» وانخراطه بـ»الثورة» أعادت السلطة حساباتها، ليس لقدرة «القوات» على الحشد فقط بل لتنظيمها وقدرتها على التحرّك في قلب المناطق المسيحية وتجييش الناس ضدّ العهد وداعمه «حزب الله»، وهذا ما حصل بالفعل.

 

منذ العام 2019، و»القوات» في صفوف المعارضة، لكن حجم التعاطف الشعبي بلغ ذروته في 14 تشرين الأول 2021 عند إندلاع أحداث الطيونة وعين الرمانة ومحاولة تلفيق تهم بحق جعجع وقواتيين، من هنا أطلّ العام 2022 على وقع ذيول أحداث عين الرمانة ووسط التحضير للإنتخابات النيابية المرتقبة.

 

خاضت «القوات» حملتها الإنتخابية تحت شعار «نحنا بدنا ونحنا فينا»، ولم تنجح حملة «شيطنة» الأحزاب في التأثير على قدرتها على إستقطاب الشارع المسيحي، فكانت النتيجة بتصدّرها المجلس النيابي كأكبر تكتل مسيحي.

 

ولعلّ نتائج إنتخابات البترون هي التي تكشف وضعية الشارع المسيحي، فمرشّح «القوات» غياث يزبك الذي خاض الإنتخابات لأول مرة حلّ أول بحصده أكثر من 11 ألف صوت بتروني، متفوقاً على رئيس «التيار الوطني الحرّ» النائب جبران باسيل بأكثر من 2000 صوت في قضاء سخّر له باسيل كل مرافق الدولة لسنوات مغدقاً الخدمات من أجل بناء زعامة بترونية لم تبصر النور.

 

وإذا كانت «القوات» قد أُصيبت بنكسة في بشرّي إلا أن الأرقام المرتفعة التي حصدها مرشحوها في كل الأقضية وتفوقهم على مرشحي «التيار» وبقية الأفرقاء حجبت الضوء عن خرق بشري خصوصاً أنها سجّلت إنتصارات كبيرة في معاقل «التيار» حيث حصدت مقعدين في جزين فيما خرج «التيار» مهزوماً، وكذلك الأمر بالنسبة إلى قضاء بعبدا مسقط رأس العماد ميشال عون حيث فازت «القوات» وحليفها «الأحرار» بمقعدين موارنة من أصل ثلاثة، فكان لا بدّ من الإنتقال إلى الإستحقاقات الأكبر.

 

تعتبر «القوات» أنها خاضت إنتخابات نيابية شرسة في الـ2022، فمن جهة واجهت خصومها التقليديين على الساحة المسيحية وعلى رأسهم «التيار الوطني الحرّ» وانتصرت عليهم، ومن جهة ثانية حاول بعض من «ركب» موجة «الثورة» مواجهتها ووضعها في مصاف الأحزاب الفاسدة، لكن النتائج أتت على قدر آمال معراب، فتفوّقت على «التيار الوطني الحرّ» وحصدت عدد نواب أكبر بكثير من القوى التي وصفت نفسها بأنها «ثورة»، على رغم أنّ تلك القوى خاضت الإنتخابات في كل دوائر لبنان، بينما ركّزت «القوات» معركتها على الساحة المسيحية.

 

جبهة سيادية

 

وشهد العام على تناغم كبير بين جعجع والبطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي إضافةً إلى عودة الدفء إلى العلاقة مع حزب «الكتائب اللبنانية» واحتضان «القوات» لحزب «الوطنيين الأحرار» ذات الرمزية الكبرى في الشارع المسيحي، والأهم نجاح «القوات» في تشكيل «جبهة سيادية» تجمع هذه الأحزاب وشخصيات مستقلة والحزب «التقدمي الإشتراكي».

 

وفي هذا الإطار، فان «القوات» تبدي تمسكها بخيار التحالف مع «الإشتراكي» وتحاول أن تمتنه في العام المقبل، فـ»الإشتراكي» كان أحد أهم أركان 14 آذار، ولا تستطيع «القوات» أن تقود سياسة واضحة بلا تحالفات مع أطراف مسلمة خصوصاً أنّ الهوة إزدادت عام 2022 مع المكوّن السني الحليف نتيجة إصرار ما تبقّى من القيادة المستقبلية على تحميل جعجع مسؤولية خروج الرئيس سعد الحريري من الحياة السياسية وإقفال أبواب الرياض أمامه، لذلك لا تزال هناك صعوبات في وصل ما إنقطع بين «القوات» وقدامى «المستقبل»، في حين أنّ العلاقة أكثر من جيدة بين معراب وبعض الشخصيات السنية وأبرزها النائب أشرف ريفي ورئيس حزب «الحوار الوطني» فؤاد مخزومي.

لا شكّ أن «تشتت» المعارضة مثّل ضربة قوية لـ»القوات» وكلّ القوى التي راهنت على مواجهة المنظومة، لكن الثابت هو الدعم القواتي لترشيح رئيس حركة «الإستقلال» النائب ميشال معوض. نجحت «القوات» من خلال الإنتخابات الرئاسية وقيادتها للقوى السيادية في إعادة نفسها إلى قلب الحدث السياسي، وبات الإنقسام الحالي بين محور «حزب الله» والحلفاء وبين محور «القوات» وبقية القوى السيادية وسط ضياع بعض المستقلين و»التغيريين».

 

لكن ما هو واضح أنّ نجاح «حزب الله» في إيصال مرشحه إلى رئاسة الجمهورية يعني أنّ «القوات» عادت إلى المعارضة، وهذا موقف حاسم من معراب في حال انتخاب رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية أو أي شخص من الخطّ السياسي، لذلك فان هذا النجاح إن حققه «الحزب» سيترافق مع فشل المعارضة فشلاً ذريعاً. لكن في حال الاتفاق على اسم وسطي سيادي، فإنّ «القوات» ستعود إلى ممارسة دورها وتدخل المؤسسات مجدداً، لكن كل ذلك متوقف على هوية الرئيس الجديد، لذلك فإنّ العبرة تبقى بترجمة «القوات» تقدّمها في المعركة الرئاسية.

 

شكّل عام 2022 بداية للإرتياح القواتي، فمن جهة تصدّرت الساحة المسيحية وسط خروج الرئيس ميشال عون من قصر بعبدا وتراجع «التيار الوطني الحرّ» وتحجيم فرنجية الذي تلقى خسارة في زغرتا وعدم قدرة «الكتائب» على زيادة حجمها، ومن جهة ثانية، فإنّ الثقة العربية لا تزال تمنح لـ»القوات» كفريق أساسي إستطاع الوقوف في وجه تمدد «حزب الله»، لكن العبرة من كل هذا في تقريش كل هذه النجاحات بالسياسة.

 

وتراهن «القوات» على وعي المعارضة لخطورة المرحلة، وتعتبر أنّ من انتُخب باسم «الثورة» ولتمثيل الناس عليه أن يقوم بدوره لا أن يتلهّى بالقشور والعراضات الإعلامية، وإذا كان عام 2022 سيرحل بعد مرحلة اشتباك حادة بين «القوات» و»التيار» و»حزب الله»، إلا أنّ الثابت حسب المعطيات القواتية أنّ هذا المشهد لن يتبدّل، فمعراب غير مستعدّة لإجراء أي حوار مع النائب جبران باسيل لأنّ التباعد السياسي كبير جداً والتجارب السابقة أفقدت ثقة «القوات» بباسيل.

 

وعلى خطّ «القوات»- «حزب الله»، فإنّه لا جديد ولا إمكانية لنسج أي حوار وتفاهم لأنّ الموقف القواتي واضح جداً وهو يدعو «الحزب» لتسليم سلاحه إلى الدولة وفكّ ارتباطه مع الخارج وعندها لكل حادث حديث، وإلّا فإنّ «القوات» ستبقى تشكّل رأس حربة في مواجهة مشروع إيران في لبنان والمتجسّد بـ»الحزب».

 

تتساقط آخر الأوراق من روزنامة 2022، وإذا كانت «القوات» مرتاحة إلى وضعها الشعبي الذي تكرّس في الإنتخابات النيابية والجامعية وتستعدّ لخوض غمار الإستحقاق البلدي، إلا أنّها قلقة مما قد يحل بالبلاد خصوصاً وأنّ «حزب الله» والحلفاء ما زالوا يمسكون بالكثير من مفاتيح اللعبة الداخلية والدليل تعطيلهم نصاب جلسات إنتخاب الرئيس، لذلك فإنّ العام 2023 قد يكون الأصعب على معراب وكل لبنان.