توقّعَ جمهور الرابع عشر من آذار، بما فيهم تيار «المستقبل»، أن تهرَع «القوات اللبنانية» لملاقاة حليفِها الاستراتيجي، رئيس حكومة لبنان سعد الحريري، فور عودته من المملكة العربية السعودية، وتستقبله بالتهليل رافعةً شعائرَ النصر، لكنّه لم يحظَ بهذه المشهدية، وعلى أثرها تسابقت السهام على «القوات» من الحلفاء والخصوم لتُضيّعَ البوصلة. فيما علمت «الجمهورية» أنّ أبرز ما فرملَ زيارة الدكتور سمير جعجع إلى «بيت الوسط» كانت الحملة التي شنّها أوّلاً تيار «المستقبل» على «القوات» ومِن بعده المصطادون في المياه العكرة، الأمر الذي لم يتقبّله لا مناصِرو «القوات» ولا رئيسُها، فتريّثَ في انتظار مبادرةٍ حريرية مسالِمة تُعدّل استقامة البوصلة.
وفي السياق يبدو المواطن اللبناني متريثاً أيضاً في انتظار توضيحات نهائية من رئيس الحكومة لوضعِ حدٍّ لحقيقة الروايات الملتبسة التي رافقت ظروفَ استقالته من الرياض، وتوضيح ما حصَل أمام الرأي العام اللبناني للمرّة الأخيرة لإنهاء الجدل القائم، خصوصاً أنّ استمرار الضبابية يفسِح المجال للتأويلات ويزيد الجفاءَ، ولا سيّما بينه وبين حليفه الاستراتيجي، «القوات اللبنانية».
وفي هذا الإطار لم تتريّث أيضاً المصادر القيادية القواتية عن الرد على الاتّهامات التي أطلقتها مصادر قيادية في «التيار الوطني الحر» بحقّها، بالقول: «لا نريد التطرّقَ إلى العلاقة مع «التيار الوطني الحر» لأنّ المشكلة ليست معه بل مشكلتُنا الأساسية هي مع «حزب الله» الذي يحاول منذ العام 2005 تكرار محاولاته للفصل بين «القوات» و«المستقبل»، لأنّ الأمرَ بالنسبة إليه يشكّل هدفاً استراتيجياً يستطيع من خلاله وضعَ اليدِ على لبنان والإطباقَ عليه بمجرّدِ الفصل بين أكبر قوّتين سياديتين على الساحة اللبنانية، وللأسف، في الأسابيع الأخيرة تمكّنَ من إحراز تقدّمٍ في هذا العنوان خِلافاً لكلّ الأعوام الماضية، وساعدَه في ذلك بعض قيادات تيار «المستقبل» التي تماشَت معه تحت هذا العنوان».
ولفتَت المصادر إلى أنه «في الوقت الذي كانت «القوات اللبنانية» تؤكد عمقَ علاقتها مع «المستقبل» وتقاطُعَهما على ثوابت وطنية مشترَكة، كان بعض القيادات في تيار «المستقبل» يتناغم مع ما يقوله «حزب الله» إمّا لاغراض مشبوهة وإمّا لضيقِ نَظر.
الأمر الذي كان يَستوجب موقفاً حاسماً علنياً من «المستقبل»، أي تأكيدات مقابلة لتأكيدات «القوات» بأنّ كلّ ما يُحاك يَدخل في سياق المؤامرات المعروفة لفصلِ العلاقة بين الطرفين، الأمر الذي لم يحصل، فيما استدرَكت «القوات» وتريّثت حتى يَحسم الحريري الوضعَ فورعودته، وأن يُصار إلى توضيح هذا الالتباس المسيء بحقّ «القوات» وتاريخها».
وردّاً على اتّهامها بكتابة التقارير، أكّدت المصادر نفسُها أنّه «لا يقال عن «القوات اللبنانية» أنّها ترسِل تقارير، فليست «القوات» من يَفعلها، بل عادةً كانت التقارير ترسَل ضدّها.
فـ«القوات اللبنانية» عندما تتكلّم في السياسة، ما تقوله تحت الطاولة هو ما تقوله فوق الطاولة وعَلناً، وفي الأساس لا تتكلّم «القوات» تحت الطاولات، إذ إنّ كلامها هو على الملأ، وما تقوله في مجالسِها الخاصة تقوله في الإعلام، وسياستُها واضحة وقضيتُها واضحة، وبالتالي كلُّ ما قيلَ مرفوض رفضاً باتاً».
وفي السياق، تُطالب «القوات اللبنانية» على لسان مصادرها القيادية، بتوضيحات معلَنة من تيار «المستقبل» حيال الإساءات التي وُجِّهت إلى «القوات» ودورها وتاريخها وحضورها.
واعتبَرت المصادر أنّه لا لزوم للعودة إلى السنوات العشر السابقة لتأكيد تَعاطي «القوات» بكلّ الملفّات وبكلّ المفاصل، أمّا إذا كان البعض يريد الذهابَ في خيارات أخرى بعيداً من الخطّ السيادي، فهو حرٌّ في خياره، ولكن عليه الابتعاد عن رميِ «القوات» بسِهامه التي تُعبّر فقط عن طريقة تعاطيهِ في العمل السياسي، وهي فقط تُشبه الأشخاصَ المتلوّنين الذين يَعلمون في السياسة بعيداً من المبادئ العليا، وأولوياتُهم شخصية بعيدة عن الأولويات الوطنية الكبرى».
القوات والرئاسة
وعلى الرغم من أنّ اللقاء الذي عُقِد أمس بين جعجع والرئيس ميشال عون يَدخل في إطار البحث في الأزمة المتّصلة بالاستقالة والعناوين والأسباب الموجبة التي دفعَت الحريري إلى الاستقالة، ومعالجة تلك الأسباب، إلّا أنّ هذا اللقاء يبدو وكأنّه يؤسّس للقاءات مقبلة، وبالتالي هو فاتحةٌ للقاءات جديدة بعناوين أخرى.
في الخلاصة، تبدو «القوات» في المشهد السياسي الحالي العام مقتنعةً بأنّ هناك أطرافاً عدة تريد إحراجَها لإخراجها من الحكومة، لأنّها شكّلت منذ بدايات الأزمة منذ التسعينات طرفاً مزعجاً ومقلِقاً لجميع الأطراف على حدٍّ سواء، الأمر الذي يفسّر محاولة عزلِها عن جميع حلفائها لإضعافها، ولتبدوَ بلا حلفاء، لكن من الملاحظ أنّ خطاب «القوات» بعد الاستقالة لم يتأثّر في الواقع بعدها، الأمر الذي عكسَته عبارات جعجع فور خروجِه من قصر بعبدا، فأكّد مجدّداً التمسّك بثوابت مبدئية ووطنية وبمبادئ إصلاحية وبالدستور والقوانين المرعيّة، فيما خَتمت المصادر بالتشديد على أنّ «القوات» ستبقى طرفاً مزعجاً من ناحية التساهلِ في القضايا المتعلقة بالبعد الإصلاحي، وستبقى متمسّكة بالبعدِ السيادي، وستبقى رأسَ حربةٍ طوال مسيرتِها، ولو بقيَت وحدها.