يخفي تفاؤل مسؤولين لبنانيين باقتراب ولادة الحكومة الجديدة قلقاً حقيقياً من صعوبة هذه الولادة، ويذهب كثيرون ليس فقط إلى توقع استمرار حالة تصريف الأعمال مدة طويلة، بل إلى التنبؤ بانقلاب في المعطيات بحيث يصل البلد إلى حكومة أخرى غير تلك التي يجري التداول في مكوناتها اليوم.
وعلى عكس ما يصر المعنيون عليه من نفي للتأثيرات الخارجية في عملية تركيب السلطة التنفيذية المنتظرة، تبدو هذه التأثيرات ماثلة في كل مفصل وتفصيل. وفي خطابه الأخير لم يكن الأمين العام لـ «حزب الله» في حاجة لتفسير معنى تأثير الخارج. فالنص في سياقه الدولي الإقليمي العربي اللبناني يذكر بأدبيات الأحزاب الشيوعية في زمن الاتحاد السوفياتي، حيث يبدأ التحليل العام من التناقض الدولي الأساسي ليتدرج إلى انعكاساته الإقليمية ثم في تجلياته المحلية، ثم إلى الاستنتاج الأساسي الحاسم حول انتصار قوى التقدم وطليعتها الاتحاد السوفياتي .
ليس في هذه الاستعادة انتقاص من قيمة تحليلات سادت سبعة عقود ونيف، ثم سقطت بسقوط الطليعة المنتخبة تاريخياً إلى مهمة تغيير العالم، والقصد منها أن خطاب نصرالله يستمد سياقه من المنطق نفسه مع فوارق في العناوين والارتباطات، فسلطة الولي الفقيه في إيران هي الطليعة التي تخوض حرباً دولية ضد الاستكبار العالمي ممثلاً بأميركا، وتحت هذه اللافتة الكبرى تندرج المعارك التفصيلية الصغرى في سورية والعراق واليمن والبحرين وفلسطين. ويأتي لبنان وحكومته في أسفل السلم، ليس لانعدام وزنه خصوصاً أن مناسبة الكلام الانتصار في حرب تموز، وإنما لأن المواجهة في كل المنطقة ودولها تميل لمصلحة المحور الذي تقوده إيران، وبالتالي فإن الأنسب لمن يشكل الحكومة اللبنانية أن يعجل في عمله (ضمناً بشروطنا) أو أن ينتظر النصر الحاسم (ربما في إدلب) فتصبح شروط التشكيل مختلفة.
لم يحمل خطاب نصرالله إشارات تفصيلية إلى نوعية الحكومة المطلوبة ولكن توصيفات كافية للقول إن المطلوب منها الانضواء تحت لواء «المنتصرين» في الإقليم، وهذا يعني علاقات طبيعية مع الحكم في سورية ودفناً للنأي بالنفس في السياسة العربية (الهجوم على السعودية نموذجاً) ثم الوقوف إلى جانب إيران في كباشها مع أميركا.
يقود ذلك إلى استنتاجات مترابطة: الخلاف على الحصص في الحكومة ليس سوى ستار شفاف لخلاف أعمق بكثير، فالتركيبات المطروحة لا تبتعد أو تختلف كثيراً عن تجارب حكومات ما بعد 2005 (إذا استثنينا حكومة اللون الواحد برئاسة نجيب ميقاتي)، ومنها خصوصاً حكومة العهد الأولى القائمة برئاسة سعد الحريري، وبالتالي فإن صراع الحصص ليس مبرراً كافياً لاستمرار الفراغ. واستطراداً فإن الحديث عن حكومة أكثرية، التي يروج لها خصوصاً أصدقاء النظام السوري، لا يأتي عبثاً، وهو إذا ربط بمنطق الانتصار الإقليمي الذي يتحدث عنه «حزب الله» قد يتحول إلى واقع يطيح التوازنات الداخلية ويحقق الرغبة الدفينة لدى البعض في إنهاء الحريرية السياسية واستكمال ما بدأه في 2005.