في الشكل، تشبه الدولة اللبنانية تقريباً، جميع دول العالم، هناك رئاسة جمهورية، ومجلس نيابي، ومجلس وزراء، ووزارات وادارات عامّة وقوانين ودستور، وقضاء، ولكن في المضمون والفاعلية والحداثة والانتاج، لا تشبه دولتنا سوى بعض الدول المتخلّفة في افريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية.
كل شيء في لبنان يدار بخفّة وعشوائية وجهل، وبنيّة تأمين المصلحة الخاصة على المصلحة العامة، ومصالح الحاكمين على مصالح الشعب، وتقديم مصالح الطوائف والمذاهب على مصلحة الوطن.
ما من ملف «مرق» تحت يد هذه الفئة الحاكمة، وانتهى نهاية سعيدة وطبق الاصول والمواصفات.
الملفات التي أعنيها طبقاً لأهميتها، هي ملف النفايات، الكهرباء، الماء، التلوّث، قانون الانتخابات، الهدر، الفساد، الموازنة، الطرقات، السير، النزوح السوري، السلاح المتفلّت، الغلاء، الاملاك البحرية والنهرية، الايجارات، بيع الاراضي، البنى التحتية، النفط والغاز، وغيرها وغيرها.
هل يجرؤ مسؤول واحد، ويرفع اصبعه ويدلّ على ملفّ واحد، انتهى كما يجب ان ينتهي؟
افتح هذه الملفات بالجملة اليوم، لأن الحكومة «العظيمة» والمسؤولين «العظام»، اكتشفوا ان البلد يتجه مسرعاً نحو الهاوية والافلاس، مالياً واقتصادياً، وان السبيل الوحيد لوقف الكارثة التي كان لهم ولمن سبقهم اليد الطولى في وجودها، هو تخفيض 20 بالمئة من الاموال المخصصة للوزارات في الموازنة العامة، ووقف القروض السكنية، وعدم مساعدة المستأجرين القدامى الفقراء والمتقدّمين في العمر.
هكذا من دون درس «ولا من يحزنون» وضعوا رقماً اعمى، يجب ان ينسحب بالدرجة الاولى على المرضى والمعوزين واصحاب الحاجات الخاصة، وحاجات المدارس الرسمية، ولم نسمع حتى الآن، اذا كان التخفيض سيطول نفقات الرئاسات الثلاث الاولى، والنفقات السرية، ونفقات الوزارات والادارات المحمية، والمجالس الموزّعة مذهبياً، ومخصصات الوزراء والنواب، وبالمناسبة وعلى «سيرة النواب»، هل يعلم المواطن«المعتر» ان حوالى 50 نائباً جديداً سيدخلون مجلس النواب، وسيحصلون على رواتب وتعويضات، وان الذين سيخرجون سينضمون الى المئات غيرهم من الزملاء الذين يتقاضون وعائلاتهم رواتب وتعويضات تزداد مع كل زيادة الى نهاية العمر.
وزير المال، علي حسن خليل، صرّح في برنامج تلفزيوني ان هناك مافيا اقوى من الدولة، تتحكم بالوضع في مرفأ بيروت، وباماكن اخرى، حتى في وزارة المال، هذا التصريح سبق واشرت اليه، ولكن منذ اكثر من 9 ايام، لم يتحرّك احد من المسؤولين في القضاء او غير القضاء لمتابعته، على الاقل على «عيون المواطنين» ومع ذلك «حاطّة الدولة عينها» على الاموال التي ترعى شؤون المعذبين بالارض والمصابين بامراض تسببت بها الحكومات المتعاقبة، ومن ضمنها هذه الحكومة.
***
الفقير في لبنان مهان، ومن لا «ضهر له» في هذه الدولة، يسحق في الشارع وفي الوزارات والادارات وعلى ابواب المستشفيات والمدارس.
اللبنانيون يعيشون في ظل نظام ديموقراطي بالاسم، متخلّف اقطاعي، استبدادي بالفعل، وانا اللبناني المتعلّق بلبنان تعلّقي بالله، والذي لم يترك لبنان في اقسى الظروف واصعبها، اعترف بأني احسد اللبنانيين الذين هاجروا وحافظوا على كراماتهم المهدورة في وطنهم الاول.