استأثر الوضع القضائي اللبناني بلقائنا، أمس، مع وزير الداخلية والبلديات بسام مولوي لمناسبة تلقيه من هيئة الإشراف على الانتخابات تقريرها النهائي عن انتخابات 2022 النيابية العامة. أهمية الأمر أن الوزير مولوي هو أحد القضاة المشهود لهم بالعلم والفقه، والأهم من هذا كله، بالحرص على تحقيق العدالة. ولست في وارد تسجيل ما أدلى به الوزير ولا ما ورد في كلام رئيس الهيئة القاضي الشيخ نديم عبد الملك والأعضاء في هذا السياق الذي هو موضوع الساعة في هذه الأيام، لاسيما في ضوء دور القضاء اللبناني والأوروبي، في القضايا ذات الصلة بحاكمية مصرف لبنان. فقط أود أن أذكر إشارتين وردتا على لسان المولوي. أولاهما قوله: إن الأخطر من تدخل السياسة في عمل القاضي هو عدم رفض القاضي هذا التدخل. والثانية قوله: بعض القضايا الذي أُحيل اليّ خلال ممارستي القضاء كان لا يزال عالقاً في المحاكم من قبل أن أُوْلَد !
وفي تقديرنا أن هاتين الملاحظتين تختصران واقعنا القضائي المأزوم .
وبالفعل اننا نسمع، منذ طفولتنا، ما يُقال ويُشاع ويُذاع ويملأ الأسماع حول الشأن القضائي، ولا تزال ترنّ في الأذهان صرخة الزعيم الوطني الكبير المرحوم حميد فرنجية تحت قبة البرلمان عن «الموظّف السمسار والقاضي العبد»… ما يؤكّد على أن العلة لا تزال إيّاها منذ فجر الاستقلال «الناجز» (كما كان يطيب لبَطَلَيه المرحومَين الشيخ الرئيس بشارة الخوري ورياض بيك الصلح أن يصفاه) .
والأنكى أنك ما اذ تلتقي قاضياً، حتى يبدأ في الشكوى على قاعدة المَثل »اللبناني السائر: «لا تشكيلي ببكيلك …
والمؤلم أنهم، جميعاً، يشخّصون الداء إلّا أن أحداً منهم لا يصف الدواء. ومَن يتقدّم بـ «الروشتة»، يعرف سلفاً أن «العلاج» مفقود من الصيدليات، لألف سبب وسبب. أما السبب الأبرز فهو أن «الجماعة السياسية» ( على حدّ توصيف غبطة البطريرك الراعي) ليست فقط لا تريد استقلالية القضاء، إنما هي تريده (وتعمل على) أن يبقى على حاله، لأنها المستفيدة الأولى من هذه الحال، بل نذهب أبعد، فنزعم أن أهل السياسة عملوا ويعملون على وصول القضاء الى حال التشظي التي نعاينها، في هذه المرحلة، بحسرة وألم .