اذا كان التهديد الذي يشكّله انتشار مسلّحي «داعش» على الحدود الشمالية الشرقية، ممكناً التخلّص منه، وهو ما ستقوم به المؤسسة العسكرية مع اقتراب ساعة الصفرة المفترضة، فإن الساحة المحلية بدت في الساعات الماضية أمام تهديد لا يقلّ خطورة، قد يكون «الاقوى» الذي يواجهه الجيش، على خلفية استهداف بيته الداخلي والتشكيك في كفاءة ضباطه مع فورة اعلامية غير مسبوقة تناولت ملفاً قديماً جديداً متصلاً بدفع رشى للدخول الى المدرسة الحربية .
فالمتابعون للحملات المستورة ضد الجيش اللبناني تحت غطاء حرية التعبير، يلاحظون بوضوح وجود قطب مخفية تقاطعت عندها رغبات البعض الايجابية مع مصالح آخرين السلبية، في محاولة لفرض اجندات معينة على القيادة «الفتية»، تارة عبر اختلاق الاخبار وطورا عبر تضخيمها، لتكون المحصلة ادخال المؤسسة العسكرية في بازار السياسة وصفقاتها.
مصادر وثيقة الصلة باليرزة، اكدت ان ما يجري تداوله عن امور تتعلق بارتكابات ومخالفات داخل الجيش، هي محاولة مكشوفة الاهداف حاليا، اذ تخفي وراءها نيات مبيتة لزرع الشك في نفوس اللبنانيين تجاه جيشهم، في الوقت الذي يستعد فيه لتنفيذ مهمته الاساسية في حماية وتحرير الارض، مستندا الى اجماع وطني وسياسي يؤمن له التغطية الاساسية المطلوبة.
وتكشف المصادر ان قائد الجيش العماد جوزاف عون وضع يده على الملف منذ اليوم الاول لتوليه مسؤولياته، وتابعه بعيدا عن الاعلام بالتعاون مع فريق من الضباط المشهود لهم بنظافة الكف والجدية في العمل، بعدما بلغت قيادة الجيش معلومات بالتواتر عن ارتكابات وتجاوزات حصلت، حيث تم استدعاء المعنيين مكلفا الشرطة العسكرية بالتحقيق معهم، كونها بعيدة عن اي تدخلات سياسية او ضغوط قد تخضع لها، حيث تم اتخاذ المقتضى وتوقيف احد ابرز المعنيين بالملف، لتكر السبحة من بعدها، مع احالة الملف الى النيابة العامة العسكرية، وقد اوصلت يومذاك التحقيقات السرية الى نتائج ما زالت قيد المتابعة، خصوصا ان العماد عون اصر على متابعة القضية حتى النهاية، كما الكثير من القضايا الاخرى، ايا كان المتورطون بها، وهو ما حصل فعلا.
واشارت المصادر الى ان ثمة من يحاول تصوير الجيش على انه مؤسسة ينخرها الفساد بهدف ضرب معنويات أفرادها من مختلف الرتب، وهو امر غير صحيح، ذلك ان المؤسسة العسكرية شأنها شان كل مؤسسات الدولة اللبنانية، تعاني من مشاكل ناتجة من البيئة التي تحيط بافرادها، والذين هم جزء من هذا الشعب، وبالتالي من الطبيعي ان «نجد من بين افراده الـ 60 الفا حوالي الـ 50 مرتكبا وهي نسبة اكثر من معقولة، علما ان درجة ارتكاباتهم تختلف بين الواحد والآخر، داعية الى عدم الوقوع في فخ المغرضين وتضخيم الموضوع، كاشفة ان «الشبكة» المتورطة كانت تعمد في كثير من المرات الى ابتزاز اشخاص من الناجحين اساسا، موهمة اياهم بأن دفع الاموال و«الواسطة» هي السبيل الوحيد لدخولهم الجيش وهو ما يجافي الحقيقة، وهذا ما يبعث على الطمأنينة الى ان لا خوف على الكفاءة، فضلا عن ان النظام الصارم للكلية كفيل بكشف اي خلل على مستوى الكفاءة العلمية.
على هذا الصعيد ذكرت المصادر بانه مع اندلاع المواجهات عقب معركة عرسال 2014 وما تبعها، تحدث الكثير عن انقسام داخل الجيش وانشقاقات ليتبين لاحقا ان ما حصل لا يتعدى الحالات الخمس الفردية اي بنسبة تقارب الصفر في المئة، والسبب في ذلك يعود الى حصانة الجندي اللبناني، واليوم ثمة من يحاول اعادة الكرة وتعميم ارتكابات يتحمل من قاموا بها شخصيا المسؤولية عنها، على المؤسسة ككل، وهو ما لن تسكت عنه قيادة الجيش او تسمح به وفقا لما تقتضيه القوانين.
وتختم المصادر بالدعوة الى اعطاء الخبز للخباز الذي يعرف جيدا كيفية التعامل معه، مؤكدة ان العماد جوزاف عون الذي تولى القيادة بعـطف ودعم شعبيين قل نظيرهما نظرا للثقة التي حازها لسمعته ونظافته بداية، ولانه آت من جبهة عرسال ثانية، محصن ضد اي تدخلات قد تحصل وقادر على اتخاذ كل التدابير وفقا لما تنص عليه القوانين، فلا غطاء لاي مرتكب مهما كبر حجمه، متمنية ترك المسائل الداخلية للمؤسسة العسكرية للعلاج داخل البيت العسكري حرصا على معنويات المؤسسة وافرادها، خصوصا ان الامور تسير نحو الضبط واعادتها الى مسارها الطبيعي وتصحيح الشوائب، متسائلة في هذا الاطار عن مسؤولية بعض اللبنانيين كشركاء لهؤلاء العسكريين في فسادهم يوم قرروا الحصول على حقوقهم بطريقة غير قانونية.
وفي هذا الاطار طالبت المصادر وسائل الاعلام بالتحلي بالمسؤولية في هذه الظروف الدقيقة وترك شؤون المؤسسة الداخلية للمسؤولين عنها للقيام بما يلزم لتصليح اي اعوجاج في حال وجد، وعدم ادخال الجيش في بازارات لا ناقة له فيها ولا جمل، ذلك ان ما يحصل اليوم هو جريمة ضد المؤسسة وافرادها وضرب مقصود لها من اجل اضعافها وافقاد اللبنانيين الذين يراهنون عليها اي امل.