Site icon IMLebanon

الجماهيرية اللبنانية

 

ينتابني شعور عارم ومؤكّد اليوم، اننا بحاجة ماسّة الى مساعدة دولية جدّية في مواضيع تقصّي الفساد والتحقيق الجدّي، وإيجاد آليات قانونية لكشف الفساد، كما إيجاد آلية لاستعادة الاموال المنهوبة.

 

فالوضع الحالي كالآتي: إخبار واستماع في ملفات فساد. الكل متّهم ولكن حتى الآن لا يوجد اي ملف وصل الى خواتيمه، او هناك اشارات انّه سيصل الى خواتيمه. و»موديز» تخفّض تصنيف لبنان، المصارف المحلية ترفض التحويل للمورّدين، أصبح لدينا دولار لبناني لا يُستعمل الّا في لبنان ولا يمكن تحويله. المصارف ترفض إعطاء دولارات كاش… حوالى نصف القطاع الخاص لم يدفع المعاشات كاملة! والشباب ما زالوا يفكّرون ويبحثون عن الرئيس العتيد! كل دقيقة تأخير لها وقعها على الاقتصاد الوطني .

 

في ظل هذا المشهد نحتاج اليوم الى لجنة أو جهة دولية تساعدنا في عبور هذه المرحلة الخطرة، في ظل انعدام الشفافية في المعلومات وعدم قدرة القضاء اللبناني على الوصول بملفات الفساد الى الخواتيم الصحيحة. ولا بدّ للبنان من الاستعانة بمنظمات دولية لوضعه على السكة الصحيحة لاسترجاع الأموال.

على سبيل المثال، نسمّي مبادرة استرداد الأصول المسروقة The Stolen Asset Recovery Initiative (StAR)، وهي شراكة بين مجموعة البنك الدولي ومكتب الأمم المتحدة، تدعم الجهود الدولية لإنهاء الملاذات الآمنة للأموال الفاسدة. وتعمل StAR مع البلدان النامية والمراكز المالية لمنع غسل عائدات الفساد وتيسير عودة الأصول المسروقة بشكل أكثر منهجية وفي الوقت المناسب.

 

تعمل StAR مع الحكومات والسلطات التنظيمية والوكالات المانحة والمؤسسات المالية ومنظمات المجتمع المدني، من كل المراكز المالية والبلدان النامية وتساعد في جمعها، مما يعزّز المسؤولية الجماعية والعمل من أجل ردع الأصول المسروقة واكتشافها واستعادتها.

 

وهناك العديد من الخطوات الملموسة التي يمكن للدول اتخاذها، والتي من شأنها تحسين عملية محاسبة القادة الفاسدين وإعادة الأصول المسروقة إلى الدول.

أولاً، ما يسمّيه البنك الدولي واتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد «البلدان الطالبة» (البلدان التي تحاول إعادة الأصول) يمكن أن تسنّ تشريعات تجعل تجميد الأصول التي يشتبه في كونها عائدات فساد أسرع وأسهل. على سبيل المثال، عام 2011، أصدر السويسريون قانونًا يسهل عليهم تجميد وإرجاع الأصول المشتبه في أنّها اكتُسبت بطريقة غير مشروعة.

 

ثانياً، «البلدان المساعدة»، أي البلدان التي ستساعد في عمليات إعادة الاصول و»البلدان الطالبة» (المستفيدون المقترحون من الأصول المرتجعة) في حاجة إلى طرق أفضل لتبادل الأدلة والمعلومات لإحالة القضايا إلى استنتاجات ناجحة. وربما هنا علينا الاستعانة بهذه الخبرات لسن قوانين مجرّبة بدلاً من اختراع قوانين ومراسيم تنفيذية على القياسات اللبنانية.

 

ثالثًا، ينبغي على كل من البلدان – المساعدة والطالبة – أن تبدأ العمل على كيفية رد الأموال – وكيف سيتم إنفاقها – بمجرد بدء عملية الاسترداد، بالاعتماد على الدروس المستفادة من التجارب السابقة، والأهم إقرار قانون الشفافية المطلقة والبيانات المفتوحة لإعادة الثقة كي لا يصبح الفساد حلقة مفرغة لا خروج منها.

 

أمّا من جهة أخرى، فهناك ملاحظات اليوم على وجهة الثوار في الضغط. ونطالب اليوم بالضغط الإصلاحي! واتوجّه الى الثوار لنفتح باب الحوار؛ كل مؤسسة عامة متّهمة بالفساد تراقبها لجنة من الثوار تطلع على كل المعلومات، هذا حق، لأنّ قانون الحق في الوصول الى المعلومات، وبرغم الاستثناءات ومحاولات الاغتيال، ما زال ساري المفعول، تُدرس الاجراءات الإدارية وتُقترح اجراءات عملية بعيدة من الإبتزاز.

 

المطالب يجب أن تكون واضحة مركّزة وموحّدة بين كل المتظاهرين. شفافية مطلقة في المرحلة المقبلة عبر البيانات المفتوحة، تعليم رسمي بمستوى متطور، تأمين صحي ونظام تقاعدي عادل تنافسي، كسر الاحتكارات، وقف الهدر وتغيير الإجراءات.

 

أقترح عدم إقفال مراكز الفساد، بل مرافقة المواطن ودرس الإجراء المتبع وتعداد المراحل والتواقيع، لنتمكن من عرض اجراءات حديثة فعّالة تنافسية. ومن جهة أخرى، إذا توزع الناشطون على كل المراكز المتهمة بالفساد، أؤكّد لكم أنّ الرشوة ستختفي وسنكتشف كيف تمّ تصميم الاجراءات من أجل تسهيل الابتزاز!

 

اليوم، يكمن الشيطان في التفاصيل، لم يعد البلد يتحمّل شعارات، لا شعارات المسؤولين ولا شعارات الثوار. الحلول تحتاج الى خريطة طريق واضحة، تتضمن الاجراءات والسبل القانونية لذلك. فكيف سنوفّر فرص عمل منتجة للشباب والطلاب الذين نزلوا الى الشوارع وهناك آلاف فرص العمل مهدّدة حالياً بفعل سياسة المصارف والأزمة الحالية؟ فكل دولار يخرج لشراء مواد خام للصناعة يوفّر خروج دولارين لشراء السلع المستوردة من الخارج، وتبقى كل القيمة المضافة في لبنان. وهنا نسأل، ما هي خطة حكومة التكنوقراط المزمعة لإعادة الانتاجية للاقتصاد وتجنيب الشباب الهجرة، وخصوصاً أنّ هناك قناعة مرعبة لمن نزلوا الى الشوارع بأن استعادة الاموال المنهوبة هي كبسة زر تعيد الرخاء الى لبنان وتحلّ المشكلات كافة؟ إستعادة الاموال المنهوبة اذا تمّت تحتاج الى سنوات وسنوات من تحضير الملفات والمتابعات القضائية والدولية، كما حصل في حالات نيجيريا وتونس والفيليبين وغيرها.

 

المطلوب الوعي من الجميع والتضامن نحو أهداف موحّدة توصل الجميع الى برّ الأمان. فالثورات الخالية من تصوّر مبدئي للحلول هي مدخل للفوضى المنظمة. وخوفي هنا ان تتحوّل الجمهورية اللبنانية الى جماهيرية لبنانية.