بعد تجديد أشـدّ التنديد بالمجزرة الوحشيّة التي تُرتكب في قطاع غـزّة…
فماذا… عن «قطاع لبنان»، عن التدمير والتهجير، ورجال الإقطاع وقطّاع الطرق وقطع الأرزاق وقطع الأمـل والعمل في هذه المقصلة التي إسمها الدولة…؟
وماذا… عن جمهورية مقطوعة الرأس مهشَّمةِ الجسم، والقوّاد والحكام أجسامٌ تمشي بلا أقدامٍ وبلا رؤوس…؟
ولمّا تساءَلتُ ما إذا كان هناك بلدٌ في التاريخ لا دولة فيه ولا من يحكمون، وقعت يـدي على ما جـاء في مذكرات الرئيس الفرنسي «فنسانت أوريول» الرئيس قبل الأخير في الجمهورية الفرنسية الرابعة حين يقول: «لا دولة لا حكومة في فرنسا، ومجلس الجمعية الوطنية (أي مجلس النواب) هو بيتٌ للمجانين…».
وفي لبنان، ومع ذكريات الرئيس الأخير للجمهورية اللبنانية الثالثة أصبحنا نحن أيضاً بلا دولة ولا جمهورية ولا حكومة ولا برلمان ولا دستور ولا قانون، نعيش في هيكل وثنـي ولا عـون لنا إلاّ الله، وحين جعلنا للّه هويّة مذهبية ورحنا نتقاتل باسمه، سافر الله من عندنا ولم يترك لنا عنوانه…
الذين يتذرّعون بالدستور للتنصّل من انتخاب رئيس للجمهورية، تعالوا نقرأ معهم ما جاء في المادة «75»: «إن المجلس الملتئم لانتخاب الرئيس يترتب عليه الشروع «حالاً» في انتخاب الرئيس الجديد «مع كل ما تعنيه كلمة «حالاً».
وفي المادة «74» «إذا خلت سدّة الرئاسة بسبب وفـاة الرئيس أو استقالته أو سبب آخـر، يجتمع المجلس «فـوراً»، في انتخاب الرئيس الخلف»، مع كل ما تعنيه كلمة «فـوراً».
وهل وفـاة الرئيس أو استقالة الرئيس أشدّ هـولاً من استقالة الدولة ووفاة الجمهورية فيصبح تعطيل الجلسات مشرّعاً على أنـه حـقّ ديمقراطي..
يقول الفيلسوف الإلماني «كانط» في «كتابه الفلسفة السياسية ص. 13»: «لا يستطيع المشترع أنْ يسـنّ لشعبٍ ما القانون الذي لا يطبّقـه على نفسه…»
ماذا ينتظر حضرة البرلمان، أو حضرة البرلمانات…؟
هل ينتظرون أن يتـمّ «حـلّ الدولتين» في فلسطين المحتلّة، ليصبح متاحاً الحـل الرئاسي في دولة لبنان المحتلّة…؟
هل ينتظر كـلُّ فريق أن يتـمّ انتخاب الرئيس الذي يشبه أمير البلاط ليكون هو إلى جانبهِ كالناطقِ الرسمي لأنّ الأمير لا يُحسن بلاغة النطق…؟
أو ينتظرون أن يتـمَّ التوافق الطائفي الجامع على شخص الرئيس ما دمنا لم نستطع أنْ نؤمّـن هذا التوافق لتعيين مأموري الأحراج…
يا سادة إفتحوا أبواب المجلس النيابي واغلقوا الأبواب خلفكم. إجتمعوا، تناقشوا، إختلفوا، تدافعوا، وتبادلوا اللَّكمات والإتهامات، وتفضلوا وطبّقـوا الدستور.
إنّ تلك الإنقسامات الحادة والمعاكسات السياسية الشرسة التي عطّلت الجلسات لانتخاب المرشح الرئاسي الأول والثاني قد تنطبق أيضاً على المرشح الثالث، ومن هو هذا المخلوق الكوني الثالث الذي يرضى عنـه المسيحيون والمسلمون والعرب والعجم والغرب والشرق، ومن هو صاحب هذه الذات المبعثرة أجـزاءً دولية فإذا لكلّ جـزءٍ منه رئيسٌ لدولة…
يا سادة طبّقـوا الدستور على حياتكم… الرئيس الأميركي «أندره جونسون» طلب أن يُدفن بعد مماتـه والدستور الأميركي تحت رأسه…»
إنّه الورقة الشرعية الأخيرة بين أيديكم، فإنْ هي سقطت، سقطت معها شرعيتكم وشرعية الدولة ويصبح الإستحقاق الدستوري والقرار المصيري والرئيس الوطني من صناعة الخارج الأجنبي، والرئيس المصنوع لا يمكن أن يكون صانعاً.
نعم… إنها الفرصة الأخيرة… لعلّ الضالين والمغضوبَ عليهم يهديهم اللـه صِرَاطَـهُ المستقيم.