IMLebanon

الدولة اللبنانية تتفكَّك: إلى أين؟

 

لم يسبق أن سُمِع كلام مخيف عن لبنان كالذي يتردَّد اليوم. هذه المرة، البلد مهدَّد بما هو أكبر من الانهيار المالي والاقتصادي والاجتماعي. إنّه التفكُّك الذي تعيشه الدولة منذ سنوات، ربما يأخذ طريقه ليتكرَّس أمراً واقعاً، في فترة زمنية قصيرة. فهل يدرك «العقل» الذي يدير البلد إلى أي هاوية ينزلق؟

 

يتحدث المتابعون عن نتائج تراجيدية للضغوط الأميركية، بعدما بدأت تتخذ طابع التسارع والحزم، في الأيام الأخيرة. والأهم أنّها في صدد الاتساع لا لتستهدف فقط حلفاء «حزب الله»، بل أيضاً المؤسسات اللبنانية الرسمية التي غالباً ما كان يتمّ تمييزها عن «الحزب».

 

هذا يؤكّد جدّية التحذيرات التي لطالما تلقّاها لبنان من الأميركيين: «لا مساعدات بدولار واحد، بعد اليوم، ما دامت السلطة تؤول في النهاية إلى «حزب الله»!

 

المؤشرات إلى التصعيد تتزايد. وهناك أبواب جديدة من العقوبات يتردّد أنّ الأميركيين قد يفتحونها. ومنها مثلاً الدعاوى المرفوعة على مصارف لبنانية كبرى في نيويورك منذ سنوات، بتهمة سماحها بمرور «أموالٍ» لـ»حزب الله» فيها، ما شكّل تهديداً بدخول هذه الأموال إلى النظام المصرفي الأميركي. وحتى اليوم، كان القضاء الأميركي يتعاطى مع هذه الدعاوى بتباطؤ. وقد يستعجلها فجأة.

 

إذا تحرَّك هذا الملف، مدفوعاً بحيثيات سياسية، فستكون له مفاعيل قاسية جداً على القطاع المصرفي اللبناني المتلاشي أساساً، علماً أنّ المصارف اللبنانية ذاتها تهدِّد بمقاضاة الدولة بسبب ما تعتبره خطأ في خطة الحكومة، يؤدي إلى انهيار المصارف وضياع الودائع.

 

ووسط ذلك، كان لافتاً بروز مناخ يدعو إلى التحفّظ في مساعدة الجيش اللبناني، ولو أنّ هذا المناخ بقي محصوراً حتى الآن ضمن حدود ضيّقة، وداخل الحزب الجمهوري.

 

في هذا الخضم، تتواتر معلومات متشائمة عن احتمال الحصول على مساعدات من صندوق النقد الدولي. وفي العمق، ستكون المفاوضات الحالية مع الصندوق لتقطيع الوقت واستدراج لبنان إلى الإصلاح المطلوب. أما الضوء الأخضر للمساعدة فلا يأتي إلّا من واشنطن. وكذلك «سيدر» وأي مساعدات أخرى.

 

لن يتحمّل لبنان هذا الضغط. وسيصل إلى الخراب المالي والنقدي والاقتصادي غير المسبوق ربما في أي بلد في العالم. وتتسارع مؤشرات الخراب في الانهيار المتسارع لقيمة العملة الوطنية، ووصول القطاع المصرفي إلى الإفلاس غير المعلن، والشلل الاقتصادي التام وارتفاع صرخات الجوع والنقمة في الشارع. وما جرى يوم 6/6 يشكّل نموذجاً لما يمكن أن تذهب إليه الأمور لاحقاً.

 

سينزل اللبنانيون بغالبيتهم إلى ما تحت خط الفقر. وسيكونون إجمالاً في حال من الكفر بالسلطة والقوى السياسية. وسيزيد النقمة اقتناعُ الناس بأنّ ودائعهم في المصارف تبخّرت. إذاً، لا شيء يخسرونه ليخافوا عليه.

 

في هذه الحال، سيكون الشارع هو المتنفس، بالمعنيين المطلبي والفتنوي. ومن الخطأ الظنّ أنّ نموذج 6/6 لن يتكرّر. وعلى الأرجح، يجب أن يكون هذا النموذج إنذاراً بأنّ الآتي أعظم.

 

للتذكير، ستكون الرواتب في القطاع العام بعد أسابيع أو أشهر قليلة في حدود بضع عشرات من الدولارات شهرياً. وعندذاك، هل يجوز للسلطة أن تراهن على تكليف الجائعين بقمع الجائعين، أو بضبط تعدّياتهم على الأملاك العامة والخاصة، أو بخلق شارع مقابل شارع؟

 

في ظلّ الانهيار والقهر، تصبح الأفعال وردود الأفعال غير محسوبة النتائج. وفي بلدٍ تتلاعب فيه المحاور الإقليمية والدولية، وتعصف به الهواجس الطائفية والمذهبية، سيكون الأخطر هو الدخول في حرب أهلية، أو على الأقل مواجهات أهلية.

 

بعد أسبوعين من انتفاضة 17 تشرين الأول، كشف الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله أمراً بالغ الأهمية في هذا المضمار، واستبق الأحداث الجارية اليوم. قال: «إذا ذهب البلد إلى الفوضى، يمكن أن يأتي وقت لا تستطيع فيه الدولة اللبنانية دفع رواتب، وينهار الجيش والقوى الأمنية وإدارات الدولة ويخرب البلد. ولكن، أؤكّد لكم أنّ المقاومة ستظلّ قادرة على أن تدفع الرواتب».

 

يعني ذلك أنّ «الحزب» اتخذ كل التدابير ليستمرّ ولو انهارت القوى الرسمية. وسيترافق ذلك مع تمسّك «الحزب» بسلاحه في وجه المنادين بتنفيذ القرار 1559 والمتجاوبين مع «قانون قيصر»، والأرجح أنّه سيرفض أي دعوات جديدة للنقاش في الاستراتيجية الدفاعية تحت الضغط.

 

هنا، يصبح صعباً تَوقُّع الآتي: هل يُتاح لـ»الحزب» أن يتولّى قيادة البلد لأنّه الأقوى، أم يندلع صدام بينه وبين قوى أخرى، أم يتمّ التوافق على صيغة للبلد تُرضي الجميع؟

 

البعض يقول: نموذج «الحشد الشعبي» المعتمد في العراق وارد في لبنان. «الحشد» رديف لـ»حزب الله»، وقد تمّ تشريعه فصار فصيلاً نظامياً هناك. فهل يرضى «حزب الله» أن يكون فصيلاً رديفاً للقوى الأمنية والعسكرية؟ وهل ترضى شرائح البلد الأخرى بذلك؟

 

هناك محللون يعتقدون أنّ صيغة «الحشد الشعبي» قد تكون مناسبة للخصوصية اللبنانية المتشابكة طائفياً ومذهبياً. ولكنها، في لبنان، تُطبَّق في مناطق «الحزب» تحديداً، ولاسيما مناطقه الجنوبية والبقاعية، حيث هو اليوم، وليس في المناطق الأخرى. ومناطق «الحزب» هي أساساً مناطق التماس الحدودية التي تشكّل ميداناً طبيعياً له كمقاومة. فهل هذه الصيغة صالحة للتطبيق، بما فيها من مضامين فدرالية؟

 

هذه الصيغة تقتضي دخول القوى الإقليمية في تسويات، ولاسيما بين إيران والولايات المتحدة. وهي تؤسس عملياً لنظام فدرالي في لبنان. مع التذكير بأنّ العراق، حيث إيران وحلفاؤها أقوياء، يُقرّ بالطروحات الفدرالية. والمبادرة عملياً إلى الفدرالية في لبنان قد لا تأتي من الأطراف التي غالباً ما نادت بها، أي المسيحيين، بل من سواهم، إذا اقتضت مصلحتهم ذلك.

 

في مخاض الشرق الأوسط، هناك خلط أوراق هائل قيد الحصول، خصوصاً إذا أعلن الإسرائيليون ضمَّ الضفة الغربية وغور الأردن، وسط هواجس العرش الأردني الخائف من كونفدرالية مع الضفة، تُنهي الشخصية الأردنية بعد حين.

 

والأرجح، ستكون هناك أطُر جديدة للعديد من كيانات الشرق الأوسط، ولاسيما سوريا والعراق… فهل يكون لبنان بينها؟