Site icon IMLebanon

الحدود اللبنانية ـ السورية متداخلة وترسيمها أولوية

 

تضيع معالم الحدود بين لبنان وسوريا في أكثر من منطقة على طول أطراف السلسلة الشرقية من الهرمل مروراً بالقاع ورأس بعلبك وعرسال، وصولاً إلى معربون المتاخمة لبلدة سرغايا السورية، وتفتح معها ملفّ الترسيم الذي ينهي حقبة طويلة من المشاكل والخلافات، ويضع النقاط على الحدود.

 

أنجز ملفّ الترسيم البحري بين لبنان والعدو الإسرائيلي، ولا يزال الملفّ البرّي عالقاً بين لبنان وسوريا، حيث عادت طلائع الخلاف عليه تطلّ برأسها، إثر تعدّياتٍ وانتهاكات بدأت من بلدة القاع الحدودية منذ أيام، يخشى تطوّرها، وصولاً إلى إشكالات قد تصل إلى حدّ إطلاق النار، كما كان يحدث سابقاً في بعض الأماكن والقرى حيث الخلاف على ملكية الأراضي.

 

يعكس الخلل على جانبي الحدود اللبنانية ـ السورية التي رسمها الفرنسيون عام 1920 تاريخ إعلان دولة لبنان الكبير، واقع بعض البلدات والقرى الحدودية. وكانت الخلافات بين الجانبين تؤدي إلى معارك مسلّحة، وكانت تلك الحدود قبل الحرب السورية مدار نزاع بين الجانبين، سواء الرسمي وتدخّل الجيش السوري في بعض الأماكن، أو الشعبي بين الأهالي في محاولة كل طرف إظهار ملكيته للمنطقة المتنازع عليها. ومع بداية الحرب السورية، شكّلت تلك المناطق مسرحاً لعمليات تخريبية وإرهابية في آن، ما دفع الجيش السوري وقتها الى التقدّم والدخول الى الأراضي اللبنانية لحسم المعركة.

 

لا خطوط واضحة المعالم

 

تتداخل تلك الحدود من دون خطوط واضحة المعالم، تتكوّن من جبال وأودية وسهول، لا علامات أو إشارات تدلّ على الحدّ الفاصل بين الأراضي اللبنانية والسورية، وحدها السواتر الترابية التي ترتفع في تلك الأماكن هي علامة الترسيم التي وضعها الجيش اللبناني لقطع دابر تسلّل الإرهابيين خلال الحرب، وبعدها لمنع عمليات التهريب التي تتمّ عبر المعابر غير الشرعية المنتشرة بكثرة في المنطقة. كذلك قام الجيش السوري من جهته برفع سواتر ترابية أيضاً قضم في بعض منها مساحات لبنانية، كما حدث في بلدة طفيل الحدودية، وقد استعادها أحد المالكين هناك بفعل علاقته بالجانب السوري.

 

ليس من السهل القيام بجولة في تلك المناطق، فالعابر هناك يقع تحت مرمى نيران الهجّانة السورية المنتشرة على الحدود، وعرضةً لملاحقة الجيش اللبناني الذي عزّز منذ سنوات انتشاره على الحدود وأقام عدداً كبيراً من أبراج المراقبة المموّلة من الجيش البريطاني، والتي كشفت الحدود أمامه، ومكّنته من إحباط عددٍ من عمليات التهريب إلى الداخل السوري، ولا سيّما من المناطق المتنازع عليها بين لبنان وسوريا، كإحباطه محاولة تهريب مليون حبّة كبتاغون في خريف العام الماضي في محلة «النهير» في جرود بلدة معربون، وهي منطقة متنازع عليها بين لبنان وسوريا، وسبق للجيش اللبناني أن منع القيام بأي أعمال في المحلة من قبل الأهالي اللبنانيين قبل أن تتمّ عملية الترسيم، رغم وجود صكوك ملكية وخرائط تبرز حقّ الملكية.

 

اللجنة المشتركة

 

منذ عام 2008 وخلال زيارة الرئيس ميشال سليمان سوريا تمّ الإتفاق على استئناف أعمال اللجنة المشتركة لتحديد الحدود اللبنانية ـ السورية وترسيمها وفق آلية يتفق عليها الجانبان، إلّا أنّ شيئاً لم يتحقّق حتى الآن، وفي وقت يربط الجانب السوري الملف بمزارع شبعا والترسيم بين لبنان وإسرائيل، ينظر إلى الأراضي اللبنانية وكأنّها جزء من الأراضي السورية سلب منه أيام الانتداب الفرنسي، فيما يعتبر البعض أنّ الترسيم بين لبنان وسوريا هو ملفّ نزاع وشقاق يوتّر العلاقات بين الجانبين.

 

عادت معاناة اللبنانيين مع المشكلة منذ أيام في بلدة القاع، لتفتح معها الباب على عودة المشاكل والخضّات الأمنية، وفي حديث لـ»نداء الوطن» يشرح رئيس بلدية القاع بشير مطر ما حدث، قائلاً: «المشكلة بدأت إثر إقدام عدد من اللبنانيين على حفر بئر مياه تبعد حوالى ثلاثين متراً عن الساتر الترابي، وبعد فترة قامت البلدية وعناصر المخفر بالإجراءات اللازمة بردم البئر كونها من دون ترخيص، وبعد محاولات وتدخّلات من أصحاب البئر لم تنجح، عادوا الى العمل في الليل، وخلال قيام دورية لقوى الأمن بالكشف مجدّداً، تدخّل عدد من الجنود السوريين وتجاوزوا الساتر الترابي وبدأوا بالصراخ على الدورية، كذلك لحقت بالجنود آلية عسكرية سورية ودخلت الأراضي اللبنانية لأكثر من مئتي متر، ما دفع بدورية قوى الأمن الى الانسحاب تجنّباً للصدام، وفي اليوم الثاني عادت الدورية الى محلة البئر لردمها ما دفع السوريين مجدّداً الى التدخّل، لكنّ دورية قوى الأمن حسمت الموضوع وردمت البئر من دون أن يسبّب ذلك إشكالاً بين الدورية وعناصر الجيش السوري».

 

ويشير مطر الى «أنّ في القاع نقطتين عليهما نزاع حدودي في العقارين رقم 7 و43 لم يحلّ حتى الآن، كذلك الأمر هناك نقاط في عرسال ورأس بعلبك، ومن المتعارف عليه اليوم أن السواتر الترابية هي النقاط الحدودية بين البلدين، كذلك الأمر هناك عدد من المناطق اللبنانية دخل عليها الجانب السوري خلال الحرب وبعدها وضمّها الى الأراضي السورية، وبعض القاطنين من النازحين السوريين يشيعون أنّ ملكية الأرض سورية، ويستعملونها ممرّاً للتهريب، ويستقوون بالجيش السوري في كثير من الأوقات».

 

وفي حادثة غريبة يقول مطر «إنّ سورياً ادّعى أنّ له أرضاً وأملاكاً في محلة غير مرسّمة، وأتى بقرار من بلدية سورية تثبت أنّ الأرض غير لبنانية لإثبات ملكيته»، ورفض مطر محاولات الدخول والاعتداء على الأراضي مهما كلف الثمن.

 

بدوره أكّد مصدر أمني لـ»نداء الوطن» أنّ «وحدات الجيش اللبناني المنتشرة على طول الحدود، وبفضل الإجراءات الأمنية والاستخبارية نجحت في ضبط الحدود على طول مرتفعات سلسلة جبال لبنان الشرقية»، لافتاً الى «أنّ التهريب تراجع كثيراً هناك، بل صار معدوماً». وقال: «إنّ تداخل المنطقة جغرافياً وبشرياً على طول السلسلة الشرقية، ووجود مناطق متنازع عليها، إضافة الى وجود قرى لبنانية داخل الأراضي السورية (أكثر من 30 بلدة) هي عوامل تؤدي الى وجود ثغر في عملية ضبط الحدود لجهة التهريب، في حين عمل الجيش على إقامة السواتر الترابية التي تمنع العبور غير الشرعي والتهريب»، مضيفاً «أن الترسيم هو ملف في عهدة الدولة اللبنانية ولدى الجيش اللبناني كل الخرائط والإحداثيات».