Site icon IMLebanon

حين انتهت رحلة سياحية دينية عند نقطة فرع كفرسوسة

 

تهمته الإنتماء إلى “القوات” ثم ضربُ عامل سوري

 

على الحدود اللبنانية السورية، عند معبر المصنع، باصات تروح وتجيء. ثمة لبنانيون يقصدون، في أيام الشحّ هذه، سوريا «كزدورة». هناك لبنانيون يعتقدون أنهم بمئة دولار سيسوحون خارج الحدود ويزورون صيدنايا ومعلولا ودير الراهب بحيرا ودير مارموسى الحبشي والكنيسة المريمية وسيدة النياح وكنيسة القديس بولس الرسول وكنيسة الزنار وكنيسة مار يعقوب والست زينب والمسجد العمري والجامع العتيق ومقام السيدة رقية وجامع خالد بن الوليد… لكن السفر إلى هناك مأمون؟ عدّوا إلى المئة قبل أن تفعلوا فهناك من فعلوا وذاقوا الأمرّين:

تحدث أمور لا تظهر الى العلن. هناك لبنانيون يذهبون للسياحة الدينية – أو للكزدرة – الى بلاد الشقيقة فيوقفون تحت حجج مختلفة. أحدهم، من بلاد البترون، كان من ضحايا هذا النوع من السياحة الدينية. صعد أحد اللبنانيين، اباً عن جد، فجراً الى باص انطلق من بقسميا، إحدى بلدات قضاء البترون، في زيارة الى الأماكن الدينية في سوريا. نظمت الرحلة من قبل كاهن كفرحَي. ضمّ الباص أكثر من خمسة وخمسين شخصاً. وحين بلغ الحدود وفي خلال تقديم الأوراق الثبوتية عند نقطة المصنع الحدودي، عند الأمن العام السوري، أوقف. حاول الكاهن معرفة السبب لكن، كما تعلمون، في سوريا يضيع الصالح بعزا الطالح. إنتظروه ساعات فأتى الجواب: فلان (تحفظ عن ذكر اسمه خوفاً) سيبقى في ضيافتنا. أبى الكاهن والأهالي متابعة طريقهم من دونه لكن القرار صدر: ممنوع المكوث في المكان. وحينها قرر الكاهن متابعة الطريق الى الداخل السوري ظناً منه أنه سيستطيع هناك الإتصال بشكل أسهل لإخراجه. 36 ساعة بقي المواطن البتروني موقوفاً، تدخلت في خلالها مرجعيات دينية ولبنانية كبيرة لإخراجه. ولولا العناية الإلهية لانضمّ إسمه الى لائحة اللبنانيين المعتقلين تعسّفاً في السجون السورية. فماذا حدث معه؟

 

التحقيق

 

هو يضع اليوم «ستاتوس» على هاتفه فحواه: الحرّية غالية. هو شاب مميّز، من إحدى البلدات البترونية الجميلة، من بقسميا، إنضم في أواخر تموز الماضي الى 55 شخصاً من البلدة ومن قرى بترونية مجاورة قرروا زيارة صيدنايا في سوريا. أعدّ الرحلة أحد كهنة بلدة كفرحيّ. إنطلق الباص فجراً وحين وصل الى النقطة الحدودية عند المصنع أوقف الشاب. لم يستوعب في البداية ماذا حصل. لم يستوعب ماذا يحصل وتدريجيا إتّضح له الأمر: إنه موقوف لدى الأمن السوري. خاف. يعترف بذلك. فليس سهلاً على لبناني – سمع بكل مآثر أقبية الإعتقال السورية – أن يحافظ على رباطة جأشه في موقف كهذا. تلقى صفعة من رجل أمن سوري أعادته الى رشده فأيقن انه كبش محرقة. قال لهم: أنا أستاذ مدرسة. أنا درست اللاهوت وكنت انوي أن أصبح كاهنا. أنا مهذب القط يأكل طعامي… لكن، كل ذلك لم يشفع به. سئل أسئلة محددة: ألست تابعاً الى حزب القوات اللبنانية؟ أجابهم: بلى. صرخ فيه احدهم: أسكت يا حيوان. قال له: «نسبة كبيرة من اللبنانيين تنتمي الى أحزاب لبنانية ولست وحدي». أوّل تهمة (بالمنظور السوري) كانت إنتماءه إلى «القوات اللبنانية». عرف الشاب أن هناك من يركّب له ملفاً. قال لهم من دون أن يُسأل: لا أحمل بطاقة حزبية. بقي يوماً ونصف اليوم هناك لا يعرف ماذا سيؤول إليه مصيره. عرف أنه لن يخرج كما دخل. تدخلت الوساطات التي سعى إليها أهله والكاهن وكل من عرفوا «بالعلقة» الواقع فيها. تدخل طوني فرنجية. تدخل سليمان فرنجية.

 

تركيب فيلم

 

رُكّب له «فيلم». أنت متهم بأنك ضربت أحد السوريين عند مفرق شكا يوم الإنتخابات الرئاسية السورية. قيل له: أحد السوريين قدّم به شكوى حول ذلك. جزم لهم أنه كان يومها في المدرسة يعطي صفاً لطلابه. لم يصدقوه. أجابوه: لدينا صور تؤكد العكس. صاروا يكتبون ما لم يقله. ويقول: كنت سأسألهم هل أنا بصحة جيدة؟ هل أنا ازعر؟ فهم يكتبون في كتاب الإعترافات ما يحلو لهم. تركهم يسألون ويكتبون ما يحلو لهم «فهم يقررون سلفاً الإعترافات» يضيف «لست أوّل شخص يتم إيقافه على الحدود. هناك أربعة شبان آخرين من البترون تصرفوا معهم كما يتصرفون معي. أحدهم موظف في إحدى البلديات البترونية». هي حوادث تتكرر على السكت. هناك سوريون في لبنان يقدمون شكاوى بأسماء لبنانية تحت حجج مختلفة. وضعوه في البداية في سجن عند الحدود، عند نقطة المصنع. ويقول: «ذكروني بأشياء كتبتها على السوشال ميديا منذ العام 2015. واستمروا يرددون: أنت تعمل لدى جماعة مسلحة في بيروت تريد الإنتقام من السوريين. وفي الآخر قالوا له: أنت تتعامل مع العدو الصهيوني. رُكّب الملف.

 

تدخل في قضيته المونسنيور ميشال فريفر، رئيس المحكمة المارونية في دمشق، وتدخل ايضاً المحامي بطرس فرنجية الذي يهتم عادة بقضايا اللبنانيين الذين يوقفون في سوريا ويتعرضون الى مشاكل. كان هناك في الزنزانة التي وضع فيها سبعة سوريين موقوفين وكان اللبناني الوحيد. ثم نقلوه الى فرع الأمن العسكري في كفرسوسة المعروف بفرع المنطقة أو الفرع 227. هي ثلاث تسميات مختلفة لفرع أمني واحد من إستخبارات النظام السوري. وعرف لاحقاً أنه في الطبقة الأولى من الفرع. هناك موقوفون من داعش والنصرة وآخرون يقال أنهم يتعاملون مع إسرائيل، نقلوه مكبل اليدين، لكن من الامام لا من الوراء. قالوا له بالفم الملآن: لن نطمش (نغلق) عينيك لأن واسطتك قوية. ردد لهم مراراً: أنا بريء وكل ما أريده هو زيارة صيدنايا ومعلولا. عند الساعة الحادية عشرة والنصف نقلوه الى مكتب رئيس الفرع. لم يسء معاملته. قدّم له الشاي. وعرف لاحقاً أن الوساطات التي قام بها آل فرنجية خلصته. 36 ساعة أمضاها هناك فهل سيعيد الكرة؟ يجيب: أعوذ بالله. تصرفت وكأنني شاب بسيط، عقله خفيف، وسألتهم: هل يمكنني العودة؟ ظننتُ أنني إذا سايرتهم سيعاملونني برأفة. كنت خائفاً أن ينقولني الى فرع فلسطين لعلمي أن المعتقل يختفي هناك».

 

خرج الشاب من السجن ولن يعود الى سوريا. لكن، ألا تستحق الحادثة التي تعرض لها أن يكشف عنها النقاب حماية لسواه؟ هل وقّع على أوراق بعدم الكلام؟ يجيب: «لا، وقعت على أوراق حددت ما كان معي ووضع في سجل الامانات. على الأقل هذا ما اعتقده وأتذكره».

 

فلنتركه بحاله. هو تعب نفسياً وعانى وما مرّ به جعله يعد الى المئة، لا بل الى الألف، قبل أن يكتب على السوشال ميديا. وضع الشاب رقابة ذاتية على نفسه. لكن، ماذا لو وشى أحد السوريين في لبنان بأحدكم؟ ماذا لو شاء أحدكم أن يزور المقامات الدينية في سوريا ظناً منه أنه لم يقترف ذنبا وركّب له ملف؟ لذلك، يجب أخذ الحيطة والحذر، خصوصاً أن حالات عديدة تتكرر يتم التكتم عليها.

 

سياحة غير آمنة

 

نقف عند الحدود اليوم. هناك باصات تأخذ سياحاً من لبنان الى سوريا. ثمة من يعتقد من اللبنانيين ان زيارة سوريا ممكنة حالياً. وهذا ليس صحيحاً أبداً. ثمة إعلانات ترويجية كثيرة تتحدث عن رحلات بين بلدين قيل لنا أنهما شقيقان. هناك ترويج لرحلات طيران بين البلدين على مقاعد أجنحة الشام للطيران. هناك ترويج عن رحلات سياحية الى حلب وزيارة القلعة وسوق السقاطية والسوق المستقيم وباب إنطاكي وسور المدينة القديمة وساحة فرحات الجديدة كاتدرائية الروم الملكيين وكاتدرائية الموارنة وكاتدرائية الأرمن الكاثوليك أم المعونات وكنيسة الأربعين شهيداً… والى خان الصابون ومدينة حماه. ثمة ترويج لرحلات سياحية ودينية الى سوريا يستجيب لها اللبنانيون، أو بعض اللبنانيين، الذين يعتقدون أنهم لم يقترفوا أحد الذنوب التي يعاقب عليها النظام السوري. لكن، ليس كل ما يعتقده المرء – في الحالتين السورية واللبنانية – صواباً. إتصلنا مراراً وتكراراً بشركة محطة إنطلاق بيروت – التي تعمل تحت قرار مجلس الوزراء رقم 97/‏15 لسؤالها عن جديد النقل والانتقال من لبنان الى سوريا فلم يجب فيها أحد. سألنا عنها أكثر فعلمنا أنها ترفع شعاراً: يقول الشاعر السوري الكبير نزار قباني: آه يا عشاق بيروت القدامى هل وجدتم بعد بيروت البديلا؟ عبارة اختصرت كثيراً من الأجوبة: لا بديل لنا عن بيروت فكيف إذا كانت سوريا التي شربنا بسببها زوم الزيتون؟

 

عدّوا الى الألف قبل أن تقرروا المشاركة برحلة سياحية دينية الى سوريا. فهناك من يدون أسماء وأسماء عند حدودها قد تكونون أنتم أحدها. لا تتسرعوا كي لا تمضوا ليلتكم في الفرع 227 وإذا كان حظكم أسوأ من حظ الشاب البتروني- ولم يتدخل آل فرنجة – قد تنضمون الى قافلة المعتقلين. ففي حالتنا كل أمر، مهما استبعدته، جائز.