لقد شكّل المؤتمر الحادي عشر للحزب الشيوعي اللبناني حلقة أساسية في سياق عملية التجديد الحزبية الجارية منذ فترة، وهو سياق قد يتطلب اكتماله أكثر من مؤتمر، فضلا عن أن عملية التجديد ستطال مختلف جوانب حياة الحزب، الفكرية، السياسية والتنظيمية، وصولاً إلى الموقف من التطورات العاصفة على المستويين العربي والدولي، والتي تتطلب قدراً أكبر من التوضيح والتفصيل، مع وعينا التام لجملة التغيرات الكبيرة التي طرأت على البنى السياسية والاقتصادية والاجتماعية العربية في إطار تزايد تبعيتها المتعددة الأشكال للرأسمالية المعولمة، وما نتج عنها من تعديلات جوهرية في آليات فعل القوانين الرأسمالية في مجتمعاتنا، الأمر الذي لم يجر رصده ومتابعة تداعياته بالقدر الكافي من الاهتمام النظري والعملي.
وبرغم هذا التقصير، نعتقد أن أفق تطور مجتمعاتنا ـ ومن ضمنها لبنان ـ يندرج ضمن السعي لمواصلة النضال في سبيل التحرر الوطني والانعتاق من قيود التبعية والسيطرة الامبريالية على بلادنا ومواجهة مشاريعها في فرض «الشرق الأوسط الجديد».
ويجب أن نعترف أن ضيق الأطر التنظيمية في عملنا الحزبي قد حال دون تعبئة الشيوعيين وأصدقائهم في مهمات النضال المطلبي اليومي، وفي النضالات الديموقراطية والوطنية العامة، وهذا ما ينطبق أيضاً على أطر عملنا الجماهيري.
بالتأكيد لسنا سعداء لتراجع دورنا في المدن الكبرى ولإنقطاعنا المتمادي عن قطاعات واسعة من الشعب اللبناني، من عمال واُجراء ومزارعين وذوي مهن حرة وصغار ومتوسطي الصناعيين ومثقفين وفنانين،علماً أن الثقافة كانت حاضرة على الدوام في صلب اهتمام الحزب وكنا نفخر دائماً بأن معظم كبار مثقفي لبنان انتموا إلى الحزب أو كانوا أصدقاء دائمين له.
إن ما أنجز في المؤتمر الحادي عشر هو اكبر من انتخاب قيادة جديدة بشكل ديموقراطي، ومن تمتين للوحدة الداخلية، ولكنه، بالمقابل، أقل من قفزة نوعية كفيلة بإخراج الحزب من أزمته. فالمؤتمر أنتج وضعا يمكن فيه لكل الشيوعيين أن يشاركوا في صياغة خيارات الحزب عبر الاجتهاد الطوعي والمشاركة في النقاش الحر بروح نقدية عالية ومسؤولة، من دون تردد وبعيدا عن الوقوع أسرى هواجس الخوف والتبعات، وهذا أمر مهم وضروري لتحفيز المشاركة في التنفيذ.
لقد نجح المؤتمر في توسيع وتعميق الممارسة الديموقراطية في الحياة الداخلية للحزب لجهة إتاحة الفرصة للشيوعيين بالاطلاع الشفّاف على أمور الحزب ومناقشتها وتقييمها عشية انعقاد المؤتمرات، من خلال نشر وثائق وكتب وكراسات وزعت في الاجتماعات المؤتمرية وتمت مناقشتها جميعها وإدخال تعديلات عليها كمقدمة لترجمة محصلة نقاشاتها في توجهات برنامجية محددة وواضحة المعالم يلتزم الحزب ومنظماته القطاعية والمناطقية بتطبيقها.
نحن الآن أمام مهمتين كبيرتين متقاطعتين:
أ) مهمة التحضير للمؤتمر الثاني عشر على نحو يحاكي المؤتمر الثاني من حيث مضمونه وأهميته التاريخية.
ب) مهمة إنخراط منظمات الحزب في النضال الميداني المباشر الى جانب صفوف شعبنا من أجل القضايا الوطنية والاجتماعية التي تطال مصالح أوسع الفئات الاجتماعية، بدل بقائها أسيرة حال من الركود والتقوقع والصراعات الداخلية التي هدرت موارد الحزب وطاقات أعضائه منذ ثمانينيات القرن الماضي.
وهاتان المهمتان متقاطعتان وتتطلبان إيلاء الاهتمام للأوضاع التنظيمية في الحزب، بما يعزز العلاقات الرفاقية السليمة بين الشيوعيين ومن بينهم الرفاق خارج التنظيم، ويقدم حلولاً للمشكلات الأخرى ذات الصلة، ويعيد الإعتبار لعملية إنتاج الكادر الحزبي، ويطلق ورشة التثقيف ويجدّد أطر العمل الجماهيري.
إننا، من خلال فهمنا لتحولات البنية الاجتماعية ولمصالح الفئات الاجتماعية التي نحرص على تمثيلها، نعتبر مسألة التحالفات وآليات التعاون مع القوى الديمقراطية مسألة مركزية، وأساسها في المرحلة الراهنة هو بناء الدولة المدنية العلمانية، الديمقراطية، دولة مقاومة، دولة للرعاية الاجتماعية.
إن برنامجنا يهدف لبناء الأطر التحالفية التي تشدّد، من جهة، على القضايا الوطنية المتعددة المتعلقة بالتصدي للعدوان الإسرائيلي والإرهاب الأصولي، ومن جهة ثانية على بناء الاقتصاد الوطني المستقل وتعزيز مناخات العدالة الاجتماعية والحريات العامة تجسيدا لحقّ اللبنانيين في حياة كريمة. وسنكون منفتحين لتعزيز أطر وآليات العمل المشترك على اختلاف مستوياته بالتحالف مع كل من يتبنى هذه القضايا ضمن برنامج مشترك، وبالتعاون والتنسيق حول هذه القضية أو تلك. كما أننا سنعمل على ضمان ما يوحد القوى المستعدة للنضال في سبيل المسائل الوطنية والاجتماعية هذه. وأيضا سنبقى نعمل جاهدين لتجميع وتأطير القوى اليسارية وتجاوز الظروف التي حالت دون تحقيق هذه المهمة، ونحن نرى في تحقيق هذا الهدف رافعة لإقامة أوسع إطار جماهيري ديموقراطي في البلاد.
لقد وقفنا وسنبقى نقف إلى جانب شعبنا الفلسطيني وقضيته المركزية، وسنؤكد على انحيازنا الدائم للشعوب العربية وانتفاضاتها في وجه أنظمة الاستبداد والتبعية ومن أجل إقامة البدائل الديمقراطية وتحقيق التحرر الوطني والاجتماعي، ذلك أن تحررها هو تحرر لنا في الوقت عينه. كما أكدنا على إدراكنا لمخاطر القوى الإمبريالية وبمساعدة من عملائها من الرجعيات العربية، للتدخل في الشؤون الداخلية لشعوبنا ولإجهاض حركة تحررنا في دعم الثورات المضادة(…).
إن التعقيدات العربية المتصاعدة كماَ ونوعاَ تفرض علينا التعمق فيها خصوصاً أننا بصدد التحضير لورشة فكرية سياسية حول المسائل العربية ولبلورة التصور الذي تتطلبه المواجهة النضالية والثورية(…).
تحية لكل الرفاق الشيوعيين واليساريين والديموقراطيين وكذلك لشباب الحراك الشعبي والنقابي والمدني ومواطنات ومواطنين ولكل المنخرطين في لوائح المعارضة لسلطة الفساد في معركة الانتخابات البلدية في المحافظات كافة، والتي إن دلَت على شيء، فهي تدل بنتائجها في بيروت والبقاع على مدى انفكاك فئات شعبية واسعة عن هذه الطبقة السياسية الفاسدة، وهي تفتش عن البديل. فأين نحن الآن من هذا البديل؟