Site icon IMLebanon

الجلسة التشريعية على فالق الزلزال بين «التيار» و«الحزب»

 

أوحت المواقف الاخيرة المتسارعة على الساحة اللبنانية بمتغيّرات انقلابية في العلاقات بين الحلفاء، وخصوصًا بين «حزب الله» و«التيار الوطني الحر». وطالما انّ المواقف المتبادلة من على المنابر المتقابلة شكّلت بديلًا من الاجتماعات في الغرف المقفلة، فإنّ ذلك يعني انّ الأزمة لم تعد محصورة بمصير «الأوراق البيض»، لتنتقل إلى ساحات إضافية، ومنها الخاصة بالجلسة التشريعية. وعليه، ما الذي يقود إلى هذه المعادلة؟

لو لم يعلن الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله قبل ايام بأنّ التفاهم مع «التيار الوطني الحر» بات «في موقع حرج»، وانّه يأمل «الحفاظ عليه من اجل المصلحة الوطنية»، لم يكن أحد ليصدّق انّ الأزمة بلغت هذا المستوى المتدحرج بين الطرفين. وهو ما ينبئ بمتغيّرات لا يمكن لأي طرف حتى اليوم من تقدير ما يمكن ان تقود إليه. فمعظم العارفين بكثير من التفاصيل، يدركون انّ توزيع المهمات من ضمن القيادة الحزبية الكبيرة تتوزع المسؤوليات، وقد حصرت منذ اكثر من عقدين ملف العلاقات بين الحزب والقوى الحزبية في عهدة، او على مسؤولية، شخص أو شخصين من أعضاء المجلس السياسي للحزب. وهي مهمّة مفصولة عن المهمّات العاجلة والاستثنائية العليا الموكلة إلى كل من المعاون السياسي للأمين العام للحزب حسين الخليل، ومسؤول وحدة التنسيق والارتباط وفيق صفا. فأمينه العام ومعه مجموعة لا يتمّ التداول باسمائهم، يهتمون بالقضايا الاستراتيجية، ويولون الملفات الإقليمية والدولية اهمية تفوق تلك الداخلية، قبل ان ترفع إليه التقارير عبر المؤسسات والهيكلية الحزبية في لحظة بلوغها مرحلة اتخاذ القرار المطلوب في اي شأن محدّد.

 

 

على هذه الخلفيات تعدّدت السيناريوهات التي تحاكي العلاقات بين الحزب والأطراف السياسية الاخرى المحلية ومنها مع «التيار الوطني الحر»، بعدما عبرت التجارب المتتالية اكثر من سبعة عشر عامًا مجموعة من الاستحقاقات التي كانت ولا تزال دون مستوى الهزة الجديدة. فالمرحلة التي أعقبت نهاية ولاية رئيس الجمهورية العماد ميشال عون مطلع تشرين الثاني الماضي، وبدء التحضير للاستحقاق الرئاسي المستجد، فرضت قواعد جديدة للتعاطي بين الطرفين، استنادًا إلى عدم ترشيح رئيس التيار جبران باسيل ولأسباب اخرى مختلفة.

 

ولا تغفل الجردة الممكنة حتى اليوم ما رافق المحطات المتتالية التي نشأت مع سعي رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي إلى استئناف جلسات مجلس الوزراء بعد خلو سدّة الرئاسة من شاغلها، وما آلت إليه مجتمعًا صلاحيات رئيس الجمهورية غير اللصيقة بشخصه بالوكالة. والتي رفع من وتيرتها السلبية الجدل الدستوري الذي رافق هذه المرحلة الاخيرة، وتحديدًا في شأن قانونية الخطوة ومدى الحاجة اليها، وآلية إصدار المراسيم الصادرة عن مجلس وزراء يصرّف الأعمال من دون ان ينال ثقة المجلس النيابي الجديد المنبثق من الانتخابات النيابية الاخيرة، وما تركته مجتمعة من ندوب في جسم العلاقات المميزة بين الحزب والتيار.

 

عند هذه المؤشرات وما يمكن ان تقود إليه، تتوسع القراءات في شأن واقع العلاقة ومستقبلها بين الطرفين، وسط كثير من المحاولات الجارية في السر والعلن لتدارك ما يهدّد بالانفصال بينهما، وما يمكن القيام به لترميم ما أصاب هذه العلاقة وتحديد الأسس التي يمكن ان تجمعهما على المديين القريب والبعيد. فتعدّد الاستحقاقات الدستورية والسياسية فرض البحث في هذه الجوانب على نار حامية، مخافة ان يكون لها مردود سلبي ينعكس على حجم التنسيق بينهما بما تفرضه المعايير التي كرّسها «تفاهم مار مخايل»، وما حققه لمصلحة الطرفين. فالقاصي والداني يدرك حجم انعكاساته على مجمل الحياة السياسية في البلاد بالنسبة إلى التيار، وما جناه طوال السنوات الاخيرة من انجازات منذ وصول رئيسه ومؤسسه إلى قصر بعبدا عام 2016، وما استفاد منه الحزب، ليس على المستوى الداخلي فحسب انما على المستوى الاقليمي والدولي، بعدما استظل الشرعية الدستورية التي أبعدت عنه عواقب وشرور العقوبات المفروضة عليه، والمواجهات التي خاضها للاحتفاظ بسلاحه في الداخل وحماية تحركاته الخارجية في أكثر من بقعة توتر عربية وغربية.

 

 

وتأسيسًا على هذه النتائج، يختلف المراقبون حول تقدير ما يمكن ان يؤدي اليه أي انفصال بين الطرفين، وكذلك ما يمكن ان تؤدي اليه إعادة تموضع كل منهما في جبهة سياسية او حزبية، بعيدًا من الشعارات التي رُفعت وانتهت مفاعيلها عندما نعاها الطرفان. فمعظم أركان «التيار الوطني الحر» يعتقدون أنّهم تحمّلوا العقوبات ليوفّروا الحماية للحزب والتغطية لتحركاته في الداخل، وأعفوه من المطبات التي كان يمكن ان ينزلق اليها على الساحتين المسيحية خصوصًا والدستورية عمومًا. ولكن ذلك لا يتلاقى مع القراءة النقيضة للحزب، فإن اعترف في مرحلة من المراحل بما وفّر له «تفاهم مار مخايل» من ضمانات داخلية وخارجية، فإنّه يدرك ومنذ فترة تمتد إلى الأمس القريب، انّه بات في مرحلة متقدّمة يمكنه التخلّي عنه، لا بل التحرّر من التزاماته، مترقبًا ما يمكن ان يحققه في الاستحقاق الرئاسي المقبل، وما يستطيع ان يصل اليه عبر التفاهمات التي يديرها في الداخل والخارج في ظل الخيارات الإقليمية والدولية المعروضة عليه.

 

وعليه، فقد عبّر الحزب ومناصروه أكثر من مرة في الفترة الاخيرة، انّ ما حققه محوره المنخرط فيه إقليميًا بات في موقع يسمح له بأن يحققه بقوته الذاتية. وانّ تحالفاته التي تتجاوز المتأتي منها عن قوة «الثنائية الشيعية» ومناعتها، فإنّ قوى أخرى يمكنها ان تلعب دور التيار على عتبة العهد الجديد، وخصوصًا إن نجح في إيصال رئيس جديد للجمهورية يترجمه ترشيحه الثابت حتى اليوم لزعيم تيار «المردة» سليمان فرنجية، أو اي مرشح آخر إن فشل في رهانه الحالي. وهو وحتى اللحظة، لم يقدّم أي دليل يؤدي إلى تراجعه او النية بالتنازل عنه، ولم يكشف للحظة عن وجود بديل منه لا في السرّ ولا في العلن، وهو يجهد بطريقة غير مسبوقة أيًا كانت الكلفة المقدّرة، لتحقيق هذا الخيار الاستراتيجي الذي جنّد له كل قواه بما يضمن له مستقبلًا ضامنًا لمصالحه الحالية والمستقبلية، سواء توافرت له بما يمتلكه من صداقات وتفاهمات يمكن ان يعقد مزيدًا منها، لتُضاف إلى ما يمتلكه من قوة مفرطة تجاوزت ما يمكن ان ترسمه خطط الخصوم من معوقات في الداخل كما في المنطقة.

 

 

عند هذه المؤشرات تقف المعطيات التي تحوط بالاستحقاق النيابي بعد الحكومي. فالنية بعقد الجلسة التشريعية واحدة من الخيارات الطارئة. وان استُنسخت التجربة التي اعتُمدت لاستئناف الجلسات الحكومية، وما ضمنه من اكثرية بـ«ميزان الجوهرجي» للتجديد للرئيس نبيه بري، او تلك التي نُسجت في انتخابات أميني السر ورؤساء اللجان النيابية ومقرريها، يمكن القيام به في الأيام المقبلة. وإن تحاشى الحزب اليوم عن الكشف عمّا انتهت إليه اتصالاته التي توزعها مع بري، لن يتردّد في اتخاذ مواقف قد تؤدي إلى تقديم عروض جديدة تتجاوز مواقف حلفاء الأمس والخصوم في الوقت عينه، على قاعدة انّ الاستحقاق التشريعي تجاوز مرحلة الزلازل الكبرى ليتسبب بترددات خفيفة يمكن استيعابها، قبل الانتقال إلى مرحلة اخرى قد تكون أكثر وضوحًا وتشدّدًا.