Site icon IMLebanon

المشترع لم يحتَسِب يوماً فقدان قانون إنتخاب نافذ

في ظلّ تعدد القراءات الدستورية التي تواكب البحث عن قانون جديد للانتخاب ومصير المرسوم الخاص بدعوة الهيئات الناخبة، لم يظهر أنّ هناك أملاً بتوليد قانون جديد وسط صمت شامل حول ماهية مشاريع القوانين المطروحة التي يكتفى بتوصيفها تسريباً وتلميحاً ليعلن عن موتها قبل أن تولد. وهو ما يقود الى حال لم تعرفها البلاد يعجز الخبراء الدستوريون عن توصيفها، فالمشترع لم يحتسب يوماً عدم وجود قانون انتخاب عشية هذا الاستحقاق؟

كانت المعادلتان السياسية والدستورية المحيطتان بقانون الانتخاب الجديد وتجميد المرسوم الخاص بدعوة الهيئات الناخبة المجمد في قصر بعبدا بعد توقيع وزيري الداخلية ورئيس الحكومة، مدارَ جدل بين عدد من رجال السياسة والدستور بحثاً عن مخرج للمأزق الذي وصلت اليه البلاد وبداية تآكل المهل الدستورية الخاصة بها وفق تفسيرات متناقضة أجمعت على القليل من القضايا التي خضعت للنقاش وخلافات عميقة حول أخرى.

وفي بحر التناقضات في القراءات التقى رجال السياسة والدستور على تفسير واحد لما سُمّي «الفراغ النيابي» على خلفية تفضيل رئيس الجمهورية له على إجراء الانتخابات وفق القانون النافذ حالياً سواءٌ سُمّي قانون الستين أو قانون الدوحة، فالتقوا على وجود هذا الفراغ النيابي المحتوم في حالات محددة تنقاد البلاد اليها تدريجاً، ويمكن تحديدها بحالتين بديهيّتين أساسيّتين:

• الأولى، عدم إجراء الانتخابات النيابية في موعدها الربيع المقبل بمجرّد عدم توجيه الدعوة الى الهيئات الناخبة للمشاركة في العملية الانتخابية لإنتاج مجلس نيابي جديد يتسلم سلطاته الدستورية في 21 حزيران المقبل، في اليوم الذي يلي انتهاء ولاية المجلس الحالي الممددة مرتين الى أن اكتملت ولايتان كاملتان له (20 حزيران 2009 – 20 حزيران 2017).

• الثانية، عدم الاعتراف بالقانون النافذ حالياً ومنع إجراء الانتخابات على اساسه من دون تحديد القانون البديل، فتتعطّل كلّ الآليات التي تقود الى إنتاج السلطة التشريعية مجدداً.

على هاتين النقطتين وصوابية ما قالتا به، يتوافر الإجماع السياسي والدستوري. فالدستور لحظ الآلية الخاصة بالشغور الرئاسي نتيجة تجاوز المهل المحدّدة من دون انتخاب رئيس جديد للجمهورية أو قصوره عن القيام بمهماته وعجزه التام عنها أو في حالة الوفاة حيث تنتقل الصلاحيات الدستورية الى الحكومة مجتمعة.

أما في ما خصّ مصير المجلس النيابي ودخوله مرحلة الشغور أو الفراغ فلم يقاربه الدستور في أيٍّ من مواده فيما انحصرت المقاربة الدستورية بالجوانب المحيطة بعمله التشريعي في بعض المواد الدستورية وتلك الموجودة في النظام الداخلي للمجلس، ولذلك فقد توافر الإجماع ايضاً على رفض النظرية التي تقول باحتفاظ المجلس بكلّ صلاحياته على خلفية «استمرارالعمل في المرفق العام» واعتبر هذا الكلام هرطقة دستورية وقانونية.

وبالإضافة الى ما تقدم، يختلف الخبراء الدستوريون والسياسيون على جوانب عدة ممّا تعيشه البلاد اليوم، فتمسّك الخبراء الدستوريين بالمهل الدستورية وضرورة احترامها يثير سخرية السياسيين لعلمهم المسبق أنّ التفاهمات السياسية أطاحت الدستور في مناسبات لا تُحصى ولا تُعد.

فالتجارب السابقة أطاحت المهل الخاصة باستحقاقات كبرى اتصل بعضها يوماً بإنتخاب موظف رئيساً للجمهورية بلا تعديل الدستور.

وطالما أنّ أيّ قانون يلغي قانوناً سابقاً فقد أُلغيت مهلٌ دستورية سابقة واستُعيض عنها بأخرى إكراماً لهذا القطب أو ذاك. وأُجريت التعديلات الدستورية بين ليلة وضحاها على قياس أفراد وشخصيات فانتفت الحاجة الى مهل عدة كما جرى في انتخابات الـ 2005 والـ 2009 وعند التمديد للمجلس النيابي مرتين في السنوات الأخيرة.

بالإضافة الى هذه العوامل السياسية والدستورية، يعترف السياسيون ولا يعارضهم الخبراءُ الدستوريون، بقراءة موحّدة عند الحديث عن عجز شامل على كلّ المستويات في المساعي الجارية لتوليد قانون جديد.

ويتوسّع الطرفان في الحديث عن مسلسل من الفضائح رافق البحث في عدد من قوانين الانتخاب المقترَحة والتي وُضعت قياساً على أحجام بعض القوى النافذة، ومراعاةً لمصالحها بنحو نافر لا يحتاج اكتشافه الى عناء البحث في ثنايا المشروع وتفاصيله.

فالمقاربة التي تحدّث عنها بعض المشاريع، وتحديداً عند تناولها التقسيمات الادارية او نظام الانتخاب، تسبّبت باكتشاف فقدان العدالة والمساواة والمعايير الموحّدة فيها، عدا عن الخلط الغريب ما بين نظريّتي الأكثرية والنسبية، فأنست اللبنانيين مواصفات الأولى وشوّهت معاني الثانية وأهدافها.

وعلى هذه الأسس التي لا يمكن التنكّر لها، انتهت المراجع السياسية والدستورية الى التلاقي مجدداً بحثاً عن وجود هيئة مستقلة لتفسير الدستور، فلا يبقى مصير أيّ تعديل أو تفسير دستوري أو قانوني في يد أهل السلطة يستصدرون الدراسات والاستشارات ويقودونها كلّ الى ما يريده، فتأتي النتائج المبنية على المواد الدستورية متناقضة لا تلتقي سوى مع مصالح مَن أرادها دعماً لتفسيره ومصلحته على خلفية غب الطلب.

وهو أمر يقود الى ملاحظة تتجاوز في خطورتها كلّ هذا الجدل ويكمن في عدم استشراف المشرّع اللبناني عند وضعه الدستور الوصول الى مرحلة يفتقد فيها البلد الى مَن يبتّ بصوابية القوانين ودستوريتها أو فقدان قانون بأهمية قانون للانتخاب.