IMLebanon

شرعية العيش المشترك  وقانون التساكن الصعب

القاعدة في الأنظمة الديمقراطية مكرّسة نظريا وعمليا: لكل مأزق وطني أو سياسي مخرج دستوري. أما في لبنان، فان القاعدة التي كرّستها التجارب، مع استثناءات محدودة، هي العكس: كل مأزق وطني أو سياسي يؤدي الى تعطيل الدستور عمليا. هذه المرة فتح الرئيس ميشال عون نافذة فرصة لتفادي خطر كبير، عبر استخدام صلاحياته الدستورية بموجب المادة ٥٩ من الدستور وتسليم الجميع بالأمر. والسؤال هو: كيف يواجه أمراء الطوائف تحدّي المسؤوليات، وسط مخرج دستوري موقت من مأزق سياسي طويل العمر؟

لا أحد يعرف، ولو كثرت التمنيات والتعهدات، إن كان سيحدث في شهر ما لم يحدث على مدى ثماني سنوات. لكن الكل يعرف لماذا وصلنا بعيون مفتوحة الى الفخ المنصوب على حافة الهاوية وانحشرنا في خيار ضيّق نخترع له ظروفا استثنائية. فليس صحيحا ان الخيار هو بين الفراغ أو التمديد للمجلس النيابي. وليس صحيحا التصرّف كأن إجراء الانتخابات النيابية في موعدها القانوني والدستوري هو خيار، مع انه استحقاق ديمقراطي ملزم، أو التصرف كأن إرجاء الانتخابات ليس مخالفة دستورية. الصحيح ان الخيار هو بين اجراء الانتخابات على أساس القانون النافذ أو على أساس قانون جديد. ونحن حاليا في حال سوريالية: لم نطبّق القانون النافذ بحجة اعلان موته السياسي، ولا اتفقنا على قانون جديد يدفن دستوريا قانون الستين.

ولا مهمة خلال مهلة الأسابيع الأربعة تتقدم على التوصل الى صيغة لقانون انتخاب جديد. وليس أهمّ من انجاز القانون سوى نوع النظام الانتخابي في القانون. فالشرعية في لبنان لم تعد محصورة في شيء واحد مهمّ جدا هو اعادة تكوين السلطة عبر الانتخابات النيابية على أصولها. إذ هي باتت ترتبط أيضا بما تقوم به السلطة لتعزيز الحياة الوطنية، بحيث تنص الفقرة ي من مقدمة الدستور على انه لا شرعية لأي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك.

ذلك ان العيش المشترك بالمعنى السياسي، لا البيولوجي، في لبنان معجزة في الشرق ونموذج لمستقبل المنطقة الغارقة في الحروب والصراعات والعصبيات. لكن ايجابياته تتعايش مع سلبيات وثغرات وأزمات خطرة. فالخلاف على قانون الانتخاب هو في العمق صراع على الإمساك بالبلد، لا فقط بالسلطة. والتفاهمات الحالية داخل السلطة هي في حدود نوع من التساكن الصعب. واذا كانت المقاعد متقاربة من حول طاولة القرار، فان الأجندات متضاربة.

والمعادلة التي تتحكّم بنا، حتى اشعار آخر، هي: لا مصلحة ولا رغبة لأي طرف في تفجير الخلاف، ولا قدرة على تسوية الخلافات بشكل جذري.