الاستنزاف الدموي الذي يتعرض له «حزب الله» في الزبداني، عيّنة مريرة عن العبث في أبهى تجلياته.. خصوصاً، إذا كان عبثاً من ذلك النوع الذي يضعه أصحابه في خانة فوق بشرية، متعلقة من جهة بالبعد الديني (المذهبي) ومن جهة ثانية بالادعاءات التخريفية الخاصة بـ«مصير الأمة» و«خيار المقاومة» و«مواجهة الصهاينة» والتصدي لـ«مشروع الشرق الأوسط الجديد»، وإسقاط «المخططات الاستراتيجية الاستحواذية» الأميركية في المنطقة.. وصولاً في آخر البيان والكلام والتخريف والتحريف الى التصدي لـ«الجماعات الارهابية التكفيرية».
ما كان هذا الحزب يتوقع (بداية) أن يقابل هديره النزالي بهدير مضاد وعلى مستواه وأكثر. ولا أن تُواجه آلته المسلحة برياح الصدأ التي تطلقها المعارضة السورية. ولا أن يُصدّ صخب البأس الذي بناه على دفعات متتالية خلال مواجهة الاسرائيليين في الجنوب اللبناني ووصل الى مواصيله بعد العام 2000، بصخب أكبر وأكثر حيوية!… يحصد في الزبداني، بلحم شبابه ودمائهم، سوء قراءاته وسقوط فرضياته. ويلمس لمس اليد ركاكة البناء التبليغي والتعبوي الذي يستند إليه والذي استبدل السوري بالإسرائيلي وعموم شعب سوريا بالجماعات التكفيرية والارهابية وما فيها من طلاسم وأحاجٍ وأوبئة!
يتفاجأ بأن بضع عشرات من المقاتلين المحاصرين في الزبداني، أمكنهم كسر «الصورة» و«الفكرة» عنده، بقدر ما كسروا هجماته المتتالية المدعومة بالطيران والصواريخ ومدافع الميدان والآليات الثقيلة والوحدات النخبوية المقاتلة: هو هناك وفي كل سوريا، محتل كامل المواصفات، ولا تختلف ممارساته الحصارية والتدميرية في شيء، عن الممارسات التي واجهها هو في قتاله الإسرائيليين وجعلت من «صورته» مثالاً لـِ»المقاومة». وهو هناك، في الزبداني وفي كل سوريا، يواجه امتحاناً غير مسبوق في تاريخه: امتحان الميدان الذي أسقط عنه فرادة البأس وأسطرة القدرات. وامتحان التاريخ الذي سيذكر بوضوح صارخ أنه كان أحد أبرز أسباب تعرض الشعب السوري الى أفظع نكبة في كل تاريخه، منذ الحملات الصليبية الاولى قبل ألف عام وأكثر!
الافتراض البريء يفيد، بأن أحداً غير حزب «الله»، مصاب بالدهشة أو متفاجئ من الذي يحصل في الزبداني وفي غيرها.. كل من عليها كان يرى ولا يضرب في الرمل، بأن هذا الحزب «قام» في جنوب لبنان «وسقط» في سوريا! وانه هو وليس أخصامه ولا أعداؤه، مَن تولى ويتولى تنظيم ذلك السقوط المتدحرج والمتدرج والمتكامل والمشتمل على كل النواحي!
ورطته في سوريا موازية لحجمه وصيته! وسقوطه فيها من النوع الدائم والاستراتيجي.. صحيح ان الميدان متحرك والحرب سجال، لكن الأصح هو أن الحقائق ثابتة ثبوت الجبال. وهذه لا تفيد معها، مطوّلات الادعاءات التحريضية ولا الافتراضات الموازية لـ«الفئة الناجية»! ولا كثرة اللغو بالمهام الاستراتيجية والواجبات المصيرية والالهية.. ولا التهجير والمذابح والفظاعات ولا غير ذلك، مهما طال الزمن وتوسعت المقابر وفاضت أنهار الدم المسال: سوريا لأهلها، وهم في غالبيتهم الساحقة مَن سيقرّر مصيرها. ولذلك تبعات أبعد بكثير من مصير السلطة الأسدية العابرة، ومن خرائط خطوط الفصل المهيأة لما بعد السقوط في دمشق!