IMLebanon

حدود المنطق!

سيل الكلام الذي خرج من موسكو وأنقره أمس وصبّ جلّه في بِرْكة التهدئة بعد حادث إسقاط الطائرة الروسية، يتناسق ويتلاءم مع أبسط قواعد المنطق السليم، ويوجّه برقية ثلجية سريعة إلى الرؤوس الحامية في المحور الأسدي التي لا تزال تفترض أن بشار الأسد يستأهل أن تُحرق الأرض فداء له!

المواقف التي خرجت من العاصمتين حملت هوامش طبيعية ومألوفة في مثل هذه الحوادث. حيث الشكل حسّاس ومؤثر لكنه يبقى شكلاً وليس جوهراً.. أي طبيعي أن تقول موسكو إن ما حصل سيؤثر على علاقاتها بأنقره. وانها ستستمر في «العمل كالمعتاد» في سوريا. وطبيعي في المقابل، أن تقول أنقره إن حقها مقدس في الدفاع عن سيادتها وصون مصالحها والرد مجدداً على أي تعدٍّ أو خرق لأجوائها أو حدودها، ووفقاً لقواعد الاشتباك التي فعّلتها في الأسابيع الماضية وأبلغت كل الدول والجهات المعنية بذلك.

.. لكن هذا شيء، وإعلان الحرب شيء آخر! وهذا ما لا يمكن للعقل الأسدي أن يستوعبه، أو بالأحرى لا يمكن له سوى الاستمرار في كرع الأوهام التي أوصلته في المحصّلة الأخيرة الى الدمار وأوصلت سوريا معه، ونتيجة له، الى هذه النكبة الموصوفة.

من بين أبرز تلك الأوهام، الافتراض بأن الدول الباحثة عن مصالحها في سوريا يمكن أن تدمّر تلك المصالح بحجة الدفاع عنها بسبب بشار الأسد تحديداً! أو انها مستعدة للدخول في سياقات تصعيدية مكلفة بكل المقاييس من أجل تأكيد رمزية تمثيل بشار الأسد لكرامتها الوطنية، أو رمزية إهانته لتلك الكرامة!

وذلك في كل حال، لا يفعل سوى تأكيد تلك الطبيعة الانتحارية المحركة لكل أداء العصبية الأسدية، والتي لا ترى في تدمير سوريا عن بكرة أبيها (وأمها) وقتل أكثر من 300 ألف سوري وتهجير الملايين من السوريين وارتكاب كل ما يخطر ولا يخطر في البال من موبقات مخزية، إلا عوارض غير مهمة أمام «الصمود الأسطوري» لتلك العصبة، وبقاء الأسد علماً من أعلام الممانعة والمقاومة!

ما كان عاقل، في أي حال، ليتوقع منذ البدء، أن يؤدي حادث الطائرة الروسية الى مواجهة مباشرة كبيرة.. لكن ذلك لا يلغي حقيقة أن المواجهة مستمرة بالواسطة وبدماء السوريين وأنها مرشحة للتصاعد في المرحلة القريبة الآتية، خصوصاً وأن أنقره مصممة على إقامة المنطقة الآمنة في الشمال السوري، فيما موسكو مصممة على الاستمرار في اعتماد البلطجة كأحد أسلحتها المفضلة!