IMLebanon

حدود التفاؤل..

هل تنتظر الحكومة السورية «ثمنَ» الإصلاحات السياسية والخدمية؟

الدولة، المجتمع، الفرد ـ المواطن. دولة نظامها طائفي، مجتمع متماهٍ مع النظام الطائفي. الدولة كمجرد كلي ما زال في طور التكوين. في كل مرة كنا نتقدم بشأنه كانت تنشب حرب أهلية (ضد الشهابية) أو يقتل الزعيم (رفيق الحريري). في المرة الأولى كان بناء المؤسسات، في المرة الثانية كان الإنجاز. كلاهما كانا يقوداننا نحو الدولة. أجهضنا ذلك. استعمل في المرتين النظام الطائفي كل أسلحته ضد هذا وذلك، وهذا النظام مدعوم من البورجوازية المالية. والعلاقة واضحة.

تحكم الطبقة السياسية، تتولى شأن الدولة. رفعت الغطاء، بالأحرى تخلت عن نفسها. تراجع نصاب الدولة. بقيت الدولة لشهور وسنوات تُدار بالأمن والبيروقراطية. مع تراجع الدولة تراجع النظام. تراخت القبضة الطائفية على الوعي. تقدم الوعي الفردي، أو ظهر تقدم في هذا الاتجاه. كانت الاختيارات غير ما كانت تتوقعه القيادات السياسية، العائلات والأحزاب وغير ما توقعته الطبقة السياسية. لم تعِ هذه الطبقة أنها إن لم تقدم نموذجاً مُرضياً فإن المواطن سيقدم نموذجه، وما كان بالإمكان أن يكون هذا بالنسبة للمواطن سوى الضمير الفردي. كان الخيار للناس ولم يكن لأهل السياسة. صعقوا. بدأوا التفكير كيف يتفقون مع قدر أقل من المناورات في المحافظات الأخرى. النتيجة حتى الآن: ربح الفرد في وجه الطبقة السياسية. تريد الطبقة السياسية أخذ الثأر من المواطن ذي الضمير الفردي.

إذا أردنا إكمال النقاش، علينا أن نسأل عن مدى تهاون الطبقة السياسية بشأن الدولة. مدى تراجع نصابها. هل تبنى الدولة على غير الآداب الأخلاقية. هل الطائفية جوهر النظام؟ وهل هي كذلك حتى الأبد؟ ما مدى تراجع الطائفية؟ مدى انغراز الدولة في وعي المواطن؟ مع هذا الانغراز في وعي المواطن يتحول النظام إلى دولة والعكس يحول الدولة إلى مجرد نظام. لدينا الكثير من الحريات. هل ضعفت قبضة الطائفية على العقول، وهل ما زالت مصادرتها للوعي لتبقى هي جوهر النظام؟ هل صار الفرد مستعداً للخروج على طائفته؟ هل صار مستعداً لإنكار الطائفة، وإنكار الدين الجماعي ما دامت الطائفة ملحقة بالدين؟ لا حل إلا بتحويل الدين من طقس جماعي إلى تجربة فردية روحية. متى يتفسخ النظام الطائفي؟ متى يتحول الفرد إلى مواطن بعد أن كان مجرد رعية للطائفة؟ هل يتحقق ذلك دون نصاب الدولة؟

ماذا عن المجتمع.. هل يؤدي تراجع الدولة إلى انحلال أسس المجتمع التي هي الآداب الأخلاقية. دونها لا يتحول القانون ليصير هو القانون العام. يحتاج القانون إلى دولة ليصير هو الدولة. بذلك تكتسب الدولة الشرعية؛ تنغرز في كل فرد ويتحول النظام (الأمني ـ البيروقراطي) إلى دولة تحكمها السياسة. بالدولة، بالسياسة، تصير الدولة هي المجتمع. يتراجع المجتمع القديم، تتكسر ركائز أساسية تقليدية؛ يصبح مستعداً لقبول الحداثة. بالحداثة تصير الدولة إلى ما يجب أن تكون.

هل صارت الطائفية جاهزة للتخلي عن ذهنية القطيع؟ هل هي مستعدة لإرخاء قبضتها على الأفراد. بالتالي هل ما نراه بدايات تكون ضمير فردي قابل للوجود باستقلال عن الطائفة، مع أو من دون انفصال عنها.

ما يعيق كل ذلك، هو أن لبنان مصاب بمرض الحقد لدى الأفرقاء على فريق ما. يوصم هذا الفريق بالفساد والأخذ بالبلد إلى تراكم الدين العام وانعدام الموازنات إلخ… حقيقة الأمر هي أن كل الطبقة السياسية مشاركة في كل هذه الأوضاع. لكن الفريق الذي يوجه التهم من جمعيات المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية وغيرهما لا يجرأون على توجيه التهمة إلا لفريق واحد، دون الأفرقاء الآخرين الذين لا يقلون فحشاً.

لا يمكن ممارسة السياسة بالأحقاد. السياسة تمارس بالتسويات وبالاستعداد الدائم للتنازلات عما يراه كل فريق حقاً. الحقد ناصح سيئ. خلال السنوات الماضية زاد الحقد الطائفي ولم يتراجع. كل طائفة تعتبر مكاسب الغير خسائر لها. تتراجع تأثيرات الطائفية عندما يرى كل طرف أن مكاسب الغير مكاسب للجميع.

حتى الآن يحكم الدولة نظامها البيروقراطي ـ الأمني. هذا ما يجعل الدولة ناقصة الشرعية، وذات كيان مزعزع، مما يبعث على قلق دائم عند الناس. السؤال الذي يدور على ألسنة الجميع هو: إلى أين؟ إلى أين تسير الدولة والنظام؟ هل تستطيع العيش سوية.

إذا استمر الضمير الفردي، في الدورات القادمة، في الخروج على الطائفة، وفي تكوين اقتناعات وآراء مستقلة مستمدة من العقل العملي، والقبول بالذات وبالآخرين على أنهم مواطنون متساوون في الحقوق والواجبات؛ حقوق وواجبات التفكير الحر المستقل؛ فإن ذلك هو ما يمكن به السير في اتجاه تكوين الدولة والمواطن على أسس الحداثة. بصيص أمل، يحتاج إلى تضحيات كبرى من النخب الثقافية ـ السياسية.

هذا ما نتمنى أن يحصل.