أوروبا المصدومة والخائفة ترفع درجات التأهب الأمني وسط الاستنفار السياسي بعد تفجيرات بروكسل الارهابية. وهي أصلاً في حال حرب مع الارهاب وبشكل خاص مع تنظيم داعش الذي أعلن مسؤوليته عن التفجيرات. فالعاصمة البلجيكية هي أيضاً عاصمة أوروبا، حيث مقر الحلف الأطلسي ومركز الاتحاد الأوروبي. والرسالة مزدوجة في استهدافها: أولاً لمعاقبتها على تفكيك خلايا ارهابية كانت تستخدمها مقراً لتخطيط عمليات وممراً الى تنفيذها خارج بلجيكا كما كشفت العمليات الارهابية في باريس العام الماضي. وثانياً لترويع الأوروبيين والقول لهم إن الناتو لن يحميهم، وإن يد داعش تصل اليهم في كل زاوية من القارة العجوز المشاركة في القصف الجوي على دولة الخلافة.
والمشهد بعد عمليات باريس يتكرر بعد تفجيرات بروكسيل. الرئيس باراك أوباما يعرض المساعدة ويدعو الى توحيد جهود العالم لإلحاق الهزيمة بالارهاب مستعيداً شعار: نعم نستطيع. قادة أوروبا يقولون كلنا بروكسيل ويشددون الاجراءات الأمنية.
روسيا تعيد التذكير بأنها قدمت معلومات وتحذيرات الى بلجيكا وسواها من مخاطر عمليات ارهابية، وتتحدث عن ألعاب سياسية وراء الارهاب. والعواصم العربية والاسلامية تستنكر التفجيرات وتضرب على أيدي الارهابيين في الداخل، ثم تحمّل السياسات والمجتمعات الأوروبية المسؤولية عن دفع الشباب المهمش الى التطرف، وتلجأ الى التفسير والتبرير بدل التدبير والمواجهة الجذرية للتأويل الفقهي المتشدد لدى التنظيمات الارهابية.
لكن الحرب على الارهاب لا تزال قاصرة حتى عن اضعاف داعش قبل الحديث عن القضاء عليه. فالارهاب، كما يقول البروفسور في هارفارد جوزف ناي، هو شكل من المسرح. ومن قواعد اللعبة فيه ان الممثل الأصغر يستخدم قوة الممثل الأكبر لهزيمته. والهزيمة تحتاج الى قوة ذكية هي القابلية لتأليف تركيبة من قوة عسكرية صلبة وقوة بوليس وقوة ناعمة جاذبة. وما نراه حالياً هو الكثير من استخدام قوة البوليس وتبادل المعلومات الأمنية. والقليل من استخدام القوة العسكرية عى الأرض ومن كثافة القصف الجوي. ولا شيء تقريباً من القوة الناعمة الجاذبة لأن الأنظمة تفتقر الى القوة الناعمة ما دامت أنظمة سلطوية سواء كانت دينية أو أمنية.
ومن الطبيعي، وسط الحزن والغضب، أن تكثر في أوروبا وسواها الأسئلة عن الاجراءات الأمنية في مطار بروكسيل، وكيف وصل اليه الارهابيون والأسلحة. لكن من الصعب، مهما تكن الاجراءات شديدة، إغلاق كل المنافذ وخصوصاً على ارهابي انتحاري. والسؤال، بعد الخطاب الجماعي عن حرب طويلة على الارهاب، هو: هل العجز عن القضاء على داعش مجرد عجز عسكري لغياب قوة مهمة على الأرض أم انه عجز سياسي لأن وظيفة داعش لم تنته بعد بالنسبة الى قوى مختلفة.