لا شك في أن الإعتبارات السياسية هي الأساس والغاية في المقاربات الحكومية الجارية في مشروع قانون موازنة العام الحالي من أجل نقل الساحة الداخلية من ضفة الأزمة والتهديد بالإنهيار، إلى ضفة الإصلاح والإنقاذ، كما يقول مصدر وزاري مواكب للحراك الدائر على أكثر من خط من أجل توحيد القراءات بين المكوّنات الحكومية لإقرار هذا المشروع، تمهيداً لإقفال هذه الصفحة سريعاً، كون الموافقة الحكومية تعني حكماً موافقة الكتل النيابية الممثّلة في حكومة «إلى العمل».
وعلى الرغم من توسّع رقعة السجال السياسي حول الفساد والإصلاح، وشموله ملفات سياسية وأمنية، وتقدّم الإنقسام الداخلي على حساب التضامن الحكومي، فإن المصدر الوزاري نفسه، كشف أن الجميع قد قرّر أن يكون شريكاً فعلياً في صياغة السياسة المالية للدولة، وأن يتابع كل تفاصيل الصرف في كل الإدارات والمؤسّسات، والتفتيش عن «مزاريب» الهدر التي بقي بعضها متاحاً، رغم كل الإجراءات التقشّفية. وأضاف أن هذه الشراكة، تؤسّس لمعادلة جديدة في المرحلة المقبلة على الساحة الداخلية، لا تغيب فيها العوامل السياسية، خصوصاً بعدما لاحظ المصدر الوزاري نفسه، ملامح تصفية حسابات سياسية تحت ستار الإصلاح المالي، لافتاً إلى أن بعض الأرقام التي حملها مشروع قانون الموازنة العامة الحالي، تخفي في طياتها محاولات من قبل بعض الأطراف السياسية، توسيع هامش تحرّكها الهادف إلى بسط نفوذها في كل القطاعات والمؤسّسات، وذلك، من دون العمل بشكل جدي على معالجة كل الثغرات التي أدّت إلى تفاقم العجز المالي، وإلى ارتفاع نسبة الهدر، وإلى انتشار الفساد في أكثر من مكان.
وفي هذا السياق، رأى المصدر ذاته، أن العنوان العريض المعلن من هذا المشروع بالنسبة لتخفيض العجز في الخزينة، لا ينسجم مع الأرقام الفعلية التي يجري الحديث عنها في بعض الدراسات والتقارير المحلية والدولية حول الوضع المالي وحجم العجز، مع العلم أن نسبة العجز في العام الماضي، لم تكن في الواقع كما هي في قانون الموازنة، وبالتالي، فإن نسبة العجز مرشّحة لأن ترتفع، وإن كانت شهدت تخفيضاً في مشروع الموازنة هذا العام، وذلك فيما لو حصل الأمر نفسه الذي حصل في العام الماضي نتيجة استمرار الإنفاق من دون أي ضوابط.
ومن هنا، وقد أبدى المصدر الوزاري خشيته من أن تكون الأرقام الجديدة الواردة في المشروع الحالي، غير قابلة للتحقيق، وذلك بصرف النظر عن كل عملية خفض النفقات التي بدأت بتخفيض مخصّصات الرؤساء والنواب والوزراء، كما النفاقات العامة في كل القطاعات. وأكد أن الإجراءات العملية التي تؤدي إلى مواجهة الأزمة في المالية العامة، تبدأ أولاً وآخراً في عنوان رئيسي هو خفض حجم الدين العام، وتخفيض نسبة الفوائد عليه، والتي تتنامى بشكل دراماتيكي، مما يجعل من كل سيناريوهات المعالجة متأخّرة وعاجزة لجهة التوقيت، عن تحقيق الهدف المنشود، وهو تخفيف عبء الدين وخدمته، مع العلم أن الإصلاح وتخفيف العجز وتوافر السيولة والتمويل، هو البوابة إلى تحريك الركود، وتحقيق النمو، وبالتالي انخفاض هامش المخاطر الذي سينعكس انخفاضاً في سعر الفائدة، شرط أن يترافق ذلك مع استقرار سياسي وتوافق وطني.