Site icon IMLebanon

الليرة ثابتة… لكن التساؤلات مشروعة

 

مع ارتفاع عبء كلفة خدمة الدين العام على موازنة الدولة، (حوالى 37 في المئة من الإنفاق العام)، ومع الإقتراب اكثر فأكثر من الحائط المسدود، في حال لم يتمّ خفض عجز الموازنة بنسبة جيدة، برزت تساؤلات من قبل المانحين والمستثمرين حول كيفية خفض الدين العام وكلفة خدمته.

 

بعدما أعلنت المصارف رفضها اقتراح الحكومة الإكتتاب في سندات خزينة بقيمة 11 ألف مليار ليرة بفائدة 1 في المئة، من اجل خفض كلفة خدمة الدين العام بنحو ألف مليار ليرة، سيُضطر مصرف لبنان الى حمل تلك السندات، إما من خلال استخدام احتياطه الآخذ في التراجع (مما قد يؤثّر على تصنيف لبنان وتصنيفات المصارف)، أو من خلال طباعة العملة (وهو أمر غير وارد مبدئياً). في الحالتين، سيتحمّل مصرف لبنان عبئاً إضافياً، خصوصاً أن وكالات التصنيف الدولية تتحضّر في الايام المقبلة لاعلان تصنيفها الجديد للبنان.

 

هل أنّ خيار اعادة النظر بسعر صرف الليرة اللبنانية أصبح مطروحاً اليوم، في ظلّ ارتفاع كلفة خدمة الدين العام، حتى تكاد تتجاوز نصف حجم الإيرادات السنوية للدولة؟

 

العيّاش

في هذا الإطار، اعتبر النائب السابق لحاكم مصرف، غسان العيّاش إن إعادة النظر بسعر صرف الليرة اللبنانية، لجهة تخفيضها «هي أمرٌ مضرّ بالاستقرار الاقتصادي والاجتماعي. لذلك فإن هذا الاجراء لا يقع ضمن الإقتراحات لدى أي فريق داخل السلطة أو خارجها، أقلّه بصورة علنية».

 

وقال لـ«الجمهورية»: «إن خفض سعر الليرة يؤدّي إلى أضرار بالغة، خصوصاً، للطبقات الوسطى والفقيرة. فهو يقود إلى تبخّر قسم من الرواتب والتعويضات والادّخارات، وعلى الأخصّ تعويضات نهاية الخدمة، ويلحق خسارة فادحة بالمودعين بالليرة اللبنانية».

 

واشار العيّاش الى انّ «الطرق الاصطناعية التي اعتمدت حتى الآن لتحقيق استقرار الليرة، أو تثبيتها، لم تنجح إلا في تأجيل الانفجار النقدي والاجتماعي. فقد أدّت إلى تحميل الخزينة وميزانية مصرف لبنان والاقتصاد ككل أعباء كبيرة من دون أن تحلّ المشكلة».

 

وقال: «لطالما كرّرنا أن أفضل طريق لاستقرار سعر الصرف هو تحقيق الاستقرار الطبيعي، من خلال السوق، وليس بالضغوط التي تمارسها السياستان المالية والنقدية، وهذا يتطلب لجمّ عجز الموازنة والدين العام بواسطة الاصلاح المالي الجدّي، واستعادة الثقة بالدولة وماليتها وإدارتها بشكل عام».

 

خوري

من جهته، رأى الخبير الاقتصادي بيار خوري انّ موضوع اعادة تقييم الليرة لطالما كان مطروحاً منذ العام 2000 ولغاية اليوم، لأن لبنان كان دائماً أمام خيارين، إما الحفاظ على مستوى الدخل في لبنان من خلال الحفاظ على سعر صرف الليرة، أو الإصلاح الاقتصادي من خلال سعر الصرف وهو الحلّ الذي اعتمدته تركيا مؤخراً. واكّد لـ«الجمهورية» ان الخيار الثاني غير مطروح في لبنان سياسياً، لا من ناحية السياسة الاقتصادية، ولا من قبل القوى السياسية الحاكمة، وذلك لاسباب عدّة منها:

 

– الحفاظ على الاستقرار في ظل الوضع الاقليمي «المهتزّ» حالياً، حيث يمكن ان يؤثّر أي حدث جديد على استقرار لبنان.

 

– لا يناسب ميزانيات المصارف اعادة تقييم العملة، بسبب حجم القروض المصرفية بالليرة اللبنانية الممنوحة للقطاع الخاص، حيث قد يؤدي انخفاض مستوى الدخل لحوالى 700 ألف عائلة تتقاضى راتبها بالليرة، الى توقف المدينون عن دفع مستحقات المصارف، مما يعرّض المصارف لأزمة كبرى.

 

– استقرار سعر صرف الليرة هو السبب الوحيد اليوم لاستمرار تدفق رؤوس الاموال (العملة الصعبة) الى لبنان، للاستفادة من الفوائد المرتفعة على الدولار او الليرة.

 

وقال خوري، انه نتيجة لتلك الاسباب، ليس خفض سعر صرف الليرة احد الخيارات السياسية المطروحة بغضّ النظر عن نوايا القوى السياسية ومشاريعها.

 

في المقابل، أكّد خوري انه لا يمكن نفي فرضية تراجع سعر صرف الليرة، بسبب مجموعة من العوامل الاقتصادية السلبية التي يمرّ بها لبنان. لكنه شدّد على ان لبنان الذي يعيش على «المصل والاوكسيجين»، سيكون متنفسّه حالياً انتعاش الموسم السياحي، خصوصاً السياحة السعودية، حيث تم رفع الحظر الخليجي «رغم انه لم يطرأ تغيير جوهري بالسياسات التي أدّت الى فرض الحظر». واعتبر خوري ان الدولارات المتأتية من السياحة، مطلوبة للحفاظ على الحدّ الادنى لصمود لبنان، «وكالعادة يكون هناك في اللحظة الاخيرة متنفّس بسيط يؤمّن صمود اقتصاد لبنان في الحدّ الادنى، وهو الامر المطلوب من قبل قوى عالمية لديها مصالح بعدم انهيار لبنان. اذ ان لبنان لا يملك مقوّمات الصمود، لكن ممنوع أن يقع». وشدّد على انه لا يمكن تفسير انتعاش السياحة المتوقع، سوى لتأمين عملات صعبة للبنان تساعده على الاستمرار.

 

ولكن، حذّر خوري من انه في حال لم يستطع البرلمان انجاز موازنة تعيد الثقة للمانحين والمقرضين والمستثمرين، وفي حال صحّت المخاوف من خفض جديد لتصنيف لبنان، «لن تكون أموال السياحة كافية لمنع الانهيار».