IMLebanon

مصلحة الليطاني تتحفّظ عن سد بسري: بيروت ستشرب مياهاً ملوّثة

 

يوماً بعد يوم، يتكاثر الرافضون لمشروع سد بسري لدواع بيئية وثقافية واجتماعية فيما تدير الدولة الأذن الطرشاء لكل الاعتراضات. آخر المتحفّظين المصلحة الوطنية لنهر الليطاني بلائحة طويلة من المآخذ، من بينها ترويج مخططي السد لكميات مائية مبالغ فيها، وأخطرها أن المشروع سيحمل إلى بيروت مياه بحيرة القرعون الملوثة

 

بسبب «مقتضيات الصحة العامة وحفظ اختصاص وزارة الطاقة والمياه»، أبلغت المصلحة الوطنية لنهر الليطاني شركة «دار الهندسة»، في كتاب أمس، رفضها التعاون مع الأخيرة لإجراء دراسة لإنتاج مياه الشفّة وتخزينها في دائرتي صيدا وجزين لأن مصدر هذه المياه هو حوض أنان الذي يتغذّى من بحيرة القرعون الملوّثة. وعلّلت المصلحة الرفض بأن «دار الهندسة» تجاوزت صلاحيات وزارة الطاقة والمياه، و«بسبب نوعية المياه وعدم صلاحيتها للشفة وللاستخدام المنزلي، وبسبب عدم القدرة على تأمين كميات المياه في ضوء المشاريع القائمة والمستقبلية».

 

أبرز أسباب الرفض، وفق المدير العام للمصلحة سامي علوية، هي «نوعية المياه وعدم صلاحيتها للاستخدام المنزلي ولمياه الشفّة في ظل عدم اكتمال منظومة محطات التكرير وشبكات الصرف الصحي في الحوض الأعلى لنهر الليطاني وعدم اكتمال إزالة التعديات عن ضفافه». وعن مشروع جر مياه البحيرة نفسها إلى بيروت الكبرى ضمن مشروع سد بسري؟، يسرد علوية لائحة طويلة من المآخذ، من بينها «عزل المصلحة عن وضع مخطط المشروع وتنفيذه، والترويج لكميات مبالغ فيها من الميزان المائي وجودة المياه».

وكان المرسوم الرقم 14522 (16 أيار 1970) الذي «وزّع مياه نهر الليطاني والمياه الأخرى المتوافرة من مختلف مصادر المياه بين طريق بيروت – دمشق وبين ينابيع عنجر شمسين والمياه الجوفية في منطقة تربل شمال هذه الطريق في البقاع الأوسط، لأغراض الري»، لحظ «الاحتفاظ بكمية 50 مليون متر مكعب كاحتياطي لمدينة بيروت وللمشاريع الصناعية». وبعد 21 عاماً، ورد في محضر جلسة مجلس الوزراء في 20 آذار عام 1991 «التأكيد على ما ورد في مرسوم 1970 لناحية كمية 50 مليون متر مكعب المخصصة من الليطاني لمدينة بيروت ومنطقتها لاستعمالات الشرب والصناعة».

إلا أن علوية يشكّك في ما تضمنه قرار مجلس الوزراء (رقم 2 جلسة 11/10/2011) لكميات المياه «غير الدقيقة التي عرضها مجلس الإنماء والإعمار، والتي تعكس خللاً في تقديره للميزان المائي وسوء تقدير لمتطلبات المشاريع المائية»، وكذلك في الكميات المائية «التي روجت لها وزارة الطاقة والمياه عام 2011 لإقرار مشروع سد بسري بهدف الحصول على التمويل». إذ قدّر البنك الدولي (أحد الممولين) كميات المياه التي ستغذي سد بسري من نهر الأولي (بسري) بين 60 و100 مليون متر مكعب، ومن نبع عين الزرقاء بين 14 و41 مليون متر مكعب، ومن ينابيع جزين بين 5 و17 مليون متر مكعب ومن بحيرة القرعون بنحو 60 مليون متر مكعب.

يؤكّد علوية أن كمية الـ 50 مليون متر مكعب «هي الحد الأقصى بسبب الضغط على كميات المياه نتيجة الاستثمار الجائر للمياه في حوض الليطاني من قبل مؤسستي مياه البقاع والجنوب، ونظراً إلى ضرورة تأمين مصادر مياه كافية للمشاريع الحالية وتلك التي تنوي المصلحة تنفيذها ضمن مشروع الليطاني الذي وجد حصراً للري». ويلفت إلى أن القيّمين على السد يريدون جر حتى 41 مليون متر مكعب من نبع عين الزرقاء الذي يستخدم للشفة والاستخدام المنزلي في البقاع الغربي وراشيا. في حين تعتمد أراضي بلدات البقاع الغربي والجنوب حتى الأولي على مشاريع الليطاني في الري. كما أن وزارة الطاقة والمياه أقرت بأن مشروع تزويد بيروت الكبرى بالمياه ومشروع قناة الـ800 يعتمدان على مصدر واحد للمياه. «وهنا، من الضروري الإشارة إلى الآثار السلبية الناتجة من مشروع الـ 800. فقد بيّن الكشف الفني أن تنفيذه يؤثر في كميات المياه الملحوظ جرها إلى بيروت، وقد يؤدي إلى انعدامها في بعض السنوات الشحيحة».

أحدث تحليل لجودة المياه أجراه مجلس الإنماء والإعمار للمشروع يعود إلى عام 2001

 

ليست الكميات المائية التحدي الوحيد أمام مشروع سد بسري. تنفض المصلحة يديها من المسؤولية عن نوعية المياه في مشروع لمياه الشفة يتغذّى من بحيرة القرعون الملوثة، حتى بعد مرورها في محطة التكرير في الوردانية. يلفت غسان جبران، رئيس مصلحة الإنتاج الكهرمائي في مصلحة الليطاني، إلى أن مياه سد بسري ستلتقي مع المياه الآتية من بحيرة القرعون (عبر نفق مركبا – جون) في نفق الأولي – جون بطول ستة كيلومترات، قبل أن يتفرع منه نفق آخر يتوجه نحو الوردانية – خلدة – الحدث. ويوضح أن دفق المياه الآتية من القرعون سيكون أعلى بأضعاف من دفق المياه الآتية من بسري. التقاؤهما سيؤدي إلى طغيان المياه الملوثة على مصادر المياه النظيفة الأخرى. ويجزم بأن «مياه القرعون ستصل حتماً إلى بيروت مشبعة بالملوثات الصناعية والكيميائية والمعادن الثقيلة ومياه الصرف الصحي. فضلاً عن أن مسارها بين محطة التكرير في الوردانية والخزان الرئيسي في الحدث، سيكون في قنوات إسمنتية قابلة لتسرب الصرف الصحي في المياه الجوفية». ناهيك عن أن نهري بسري والأولي ليسا بعيدين عن تلوث الصرف الصحي في غياب محطات للتكرير في البلدات المشرفة على مرج بسري التي تحول مياهها المبتذلة نحوه. واللافت أن دراسة «تقييم الأثر البيئي والاجتماعي لمشروع جر مياه نهر الأولي إلى بيروت» الصادرة عن مجلس الإنماء والإعمار، تظهر بأن تحليل جودة المياه الخام تم للمرة الأولى بين عامي 1968 و1972، والمرة الثانية في آب 1984، والمرة الثالثة في 1994 و1995. أما أحدث تحليل لجودة المياه فيعود إلى عام 2001!

 

المصلحة تطلب تعويضات

من سيتولى أعمال الصيانة والتشغيل لمعمل الأولي الجديد المزمع إنشاؤه في حوض سد بسري على استملاك مصلحة الليطاني؟ تساؤل لم يحصل علوية على إجابة عنه، مقترحاً «ضمّ المعمل إلى منشآت المصلحة لتقوم بتشغيله وصيانته بواسطة الفرق الفنية نفسها التي تعمل حالياً في معمل الأولي القديم». لا يجد علوية في ما يقترحه تطفلاً، بل هو «تعويض عن خسارة المصلحة من إنتاج الطاقة الكهربائية في معمل جون، لكون مياه نهر بسري التي كانت تغذي المعمل ستحول إلى بيروت، ولن يصبح قادراً على إنتاج الكهرباء». كذلك طالب مؤسسة مياه بيروت وجبل لبنان (أحد أصحاب المشروع) بتسديد كلفة نقل المياه إلى بيروت عبر منشآت سدّ القرعون والأنفاق التابعة للمصلحة (البحيرة والسد ونفق مركبا – الأولي وحوض الأولي ونفق الأولي – جون)، بدل صيانة وتشغيل من استعمال تلك المنشآت والمشاركة في كلفة التشغيل والصيانة». علماً بأن علوية أرسل كتاباً إلى الشركة المتعهدة «بوجوب تركيب flow meter لتحديد كميات المياه التي تمر عبر إنشاءات المصلحة لتسديد البدل المتوجب».

 

ممنوع الدخول إلى مرج بسري

رسمياً، خسر أهل جزين والشوف مرج بسري حتى قبل انطلاق أشغال سد وبحيرة بسري. السبت الماضي، منعت القوى الأمنية الأهالي والناشطين من تنفيذ مسيرهم الأسبوعي داخل المرج، بحجة أن الدولة استملكته ودفعت لأصحاب الأراضي بدلات تعويض. فيما استحدثت شركة «نورال أوزالتين» التركية المكلفة من قبل مجلس الإنماء والإعمار تنفيذ المشروع، قاطعاً حديدياً عند مدخل المرج الرئيسي، واستعانت بشركة أمن خاصة لمنع الدخول. أحد مراقبي الأحراج في جزين أكّد لـ«الأخبار» أن الشركة بدأت قطع الأشجار، رغم عدم حيازتها ترخيصاً من وزارة الزراعة. فيما يتناقل الأهالي شائعات عن تسلل أشخاص يقومون بقطع الشجر والتنقيب عن الآثار، بتغطية بلدية وحزبية في البلدات المشرفة على المرج.