IMLebanon

منطق المصالح

دخلت روسيا على النكبة السورية لكنها لم تأخذ شيئاً من درب أحد! وجدت الطريق مفتوحاً فسلكته. والفرصة سانحة فانتهزتها. والأدوار الأخرى معطّلة فاشتغلت بدلاً منها. والأمكنة فارغة فعبّأتها!

الملعب واسع، والضجيج أوسع. وعبيط من يرى ذلك ويبقى في شرفة المتفرجين.. والدول على ما تقول السردية الأولى، لا تنقاد بالعباطة بل هي مصالح وليست عواطف، وأوزان وليست أشعارا، ومبادرات وليست مناظرات. وما يفعله بوتين هو من ضمن هذه المسلّمات، الناشفة والباردة و»العلمية» وليس من خارجها أبداً!

روايات تقديس ذلك الحراك، هي جزء من عدة الشغل ليس إلاّ. لم يأت بوتين إلى سوريا تلبية لنداء الكنيسة الأرثوذكسية! ولا ترجمة لحملة صليبية جديدة (من الشرق هذه المرة؟!) ولم يأت الإيرانيون إليها لأن «مقدساتهم» في خطر! أو تلبية لنداء إلهي! أو ترجمة لنص إحيائي قائم على المذهب!

.. وربما ذلك تحديداً هو أخطر ما في هذه النكبة، حيث لا يتورع الباحث عن مصالحه السياسية أو عن منصّة هامشية لنزاعه الأصلي (مع الغرب والأميركيين)، أو المتطلع إلى بعث رميم عظام ماض تليد، عن توظيف كل سلاح في معاركه، وعن طرح المقدّس في موضع السعي الشيطاني! وعن تزييف مقاصده الأرضية بشعارات سماوية! مثلما لا يتورع، عن تعليق العمل بأي معطى إنساني، ولا الذهاب بعيداً في استعارة شراسة الضواري في سعيه الدموي المحموم بين البشر!

ويخطئ أهل الضمير في جعله بنداً في السياسة أو في لعبة المصالح الكبرى، أو في حسابات راسمي الخرائط والمصائر البشرية.. فلهذه الأخيرة حيز منفصل يبدأ وينتهي عند انشاء ودعم صناديق اغاثة! ومنظمات انسانية معنية بـ»حقوق الانسان» وإيواء المشردين! ومساعدة اللاجئين! وتطبيب المصابين!.. أشياء يمكن اختصارها كلها تحت خيمة اسمها «الأمم المتحدة»!

رأت ايران في الثورة السورية تهديداً لغرسها الذي زرعته وسقته على مدى ثلاثة عقود في سوريا، فجاءت مباشرة (ومواربة) لحماية ذلك الجنى. ولم تعوّف في طريقها شيئاً. من «المقاومة» وحمايتها الى «المقدسات» والدفاع عنها! ورأت روسيا، ان الفلتان السوري فرصة لها للردّ على العقوبات النازلة فتكاً باقتصادها، ولاعادة الألق الى دورها العالمي، ولاشفاء عقد النقص التي ضربتها بعمق مع إنهيار امبراطوريتها في الحرب الباردة، فجاءت الى الميدان وقررت اللعب فيه على كيفها، ولم تعوّف في طريقها شيئاً حتى لو كان استصدار موقف كنسي يقدّس حرباً موجهة الى مسلمين! وفي ارض اسلامية! وتحت شعار «محاربة ارهاب» لم يرهب ويؤذي ويدمّر، في الواقع، الا الاسلام والمسلمين!

بنى الروس والايرانيون سياساتهم وفق مسلّمة المصالح التي يعتنقها اوباما! لم يفعلوا شيئاً من خارج ذلك النصّ سوى بالتفاصيل التي تغيّب الاخلاق! استثمروا في «الرؤية» الاميركية وليس في نقيضها! وهذه بسيطة وواضحة «وعلمية» بدورها، برغم ان الضحية لا يراها، او بالأحرى، لا يستطيع ان يراها، واذا رآها، لا يستطيع ان يستوعبها: ما الطارئ الذي يستدعي اوباما لأن يهبّ الى مواجهته حفاظاً على «مصالح» بلاده الاستراتيجية في سوريا؟! تهديد مصادر الطاقة؟! تهديد اسرائيل؟! تهديد خطوط المواصلات الدولية بين الغرب والشرق؟! تهديد «الاراضي» الاميركية؟! انتشار الاسلحة الاستراتيجية الفتاكة؟! مخاطر خلخلة نظام السوق وحركة أسواق المال، وبيوت البورصات العالمية؟! ماذا يعني بالنسبة اليه، ان يدمّر بلد مثل سوريا، وان يقتل نحو 300 الف سوري، وان يشرّد الملايين من السوريين، طالما ان كل ذلك لا يؤثر في منظومة المصالح تلك؟

الجواب هو لا شيء! وعلى هذا الجواب بُنيت وتبنى «اسئلة» الدخول الروسي والايراني في النكبة السورية. وليس على الشعر والنثر وأناشيد «القداسة» و»حقوق الانسان»..